يكني أبا زيد.. لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الستة الذين أسلموا أول من أسلم من الأنصار وشهد العقبتين وبدراً ورمى يوم بدر حجراً بين الصفين وقال: لا أفر حتى يفر هذا الحجر. وشهد المشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وكان من الرماة المذكورين وجرح يوم أحد تسع جراحات. وتوفي في خلافة عثمان، رضي الله عنهما. (صفة الصفوة ج1/ ص 489). معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس، رضى الله عنه: ذكر نبذة من مواعظه وكلامه: عن أبي إدريس الخولاني، أن معاذ بن جبل قال: إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق، والصغير والكبير، والأحمر والأسود، فيوشك قائل أن يقول: مالي أقرأ على الناس القرآن فلا يتبعوني عليه فما أظنهم يتبعوني عليه حتى أبتدع لهم غيره. إياكم وإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان يقول على في الحكيم كلمة الضلالة، وقد يقول المنافق كلمة الحق فاقبلوا الحق فإن على الحق نوراً، قالوا: وما يدرينا رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلاله؟ قال: هي كلمة تنكرونها منه وتقولون ما هذه؟ فلا يثنكم، فإنه يوشك أن يفيء ويراجع بعض ما تعرفون.
وعن عبد الله بن سلمة قال: قال رجل لمعاذ بن جبل: علمني. قال: وهل أنت مطيعي؟ قال: إني على طاعتك لحريص. قال: صم وأفطر، وصل ونم، واكتسب ولا تأثم، ولا تموتن إلا وأنت مسلم، وإياك ودعوة المظلوم.
وعن معاوية بن قرة قال: قال معاذ بن جبل لابنه: يا بني إذا صليت فصل صلاة مودع لا تظن أنك تعود إليها أبداً، واعلم يا بني أن المؤمن يموت بين حسنتين، حسنة قدمها وحسنة أخرها.
وعن أبي إدريس الخولاني قال: قال معاذ. إنك تجالس قوماً لا محالة يخوضون في الحديث فإذا رأيتهم غفلوا فارغب إلى ربك عند ذلك رغبات (رواهما الإمام أحمد).
وعن محمد بن سيرين قال: أتى رجل معاذ بن جبل ومعه أصحابه يسلمون عليه ويودعونه، فقال: إني موصيك بأمرين إن حفظتهما حفظت، إنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر، فأثر من الآخرة على نصيبك من الدنيا حتى ينتظمه لك انتظاماً فتزول به معك أينما زلت.
وعن الأسود بن هلال قال: كنا نمشي مع معاذ فقال: اجلسوا بنا نؤمن ساعة.
وعن أشعث بن سليم قال: سمعت رجاء بن حيوة، عن معاذ بن جبل قال: ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وستبتلون بفتنة السراء، وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسورن الذهب، ولبسن رباط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغني وكلفن الفقير ما لا يجد.
ذكر مرضه ووفاته: عن طارق بن عبد الرحمن قال: وقع الطاعون بالشام فاستغرقها فقال الناس: ما هذا إلا الطوفان إلا أنه ليس بماء فبلغ معاذ بن جبل فقام خطيباً فقال: إنه قد بلغني ما تقولون، وإنما هذه رحمة ربكم ودعوة نبيكم وكموت الصالحين قبلكم، ولكن خافوا ما هو أشد من ذلك، أن يغدو الرجل منكم من منزله لا يدري أمؤمن هو أو منافق وخافوا إمارة الصبيان.
وعن شهر بن حوشب، عن رابّه – رجل من قومه، كان شهد طاعون عمواس – قال: لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة بن الجراح في الناس خطيباً فقال: أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له من حظه.
قال: وطعن فمات رحمة الله عليه واستخلف على الناس معاذ بن جبل فقام خطيباً بعده فقال: أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم، وإن معاذاً يسأل الله أن يقسم لآل معاذ منه حظه.
قال: فطعن ابنه عبد الرحمن. قال ثم قام فدعا ربه لنفسه فطعن في راحته فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفة ثم يقول: ما أحب أن لي بما فيك شيئاً من الدنيا. فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص.
وعن عبد الله بن رافع قال: لما أصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلف على الناس معاذ بن جبل. واشتد الوجع فقال الناس لمعاذ: ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز. فقال: إنه ليس برجز ولكنه دعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم، وشهادة يختص الله بها من يشاء من عباده منكم، أيها الناس، أربع خلال من استطاع منكم أن لا يدركه شيء منها فلا يدركه شيء منها قالوا: وما هن؟ قال: يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويصبح الرجل على دين ويمسي على آخر، ويقول الرجل: والله لا أدري على ما أنا؟ لا يعيش على بصيرة ولا يموت على بصيرة، ويعطى الرجل من المال مالِ الله على أن يتكلم بكلام الزور الذي يسخط الله، اللهم آت آل معاذ نصيبهم الأوفى من هذه الرحمة.
فطعن ابناه فقال: كيف تجدانكما؟ قالا: يا أبانا، ﴿ الْحَقّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكونَنَّ مِنَ الْممْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 147]، قال: وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين. ثم طعنت امرأتاه فهلكتا وطعن هو في إبهامه فجعل يمسها بفيه ويقول: اللهم إنها صغيرة فبارك فيها فإنك تبارك في الصغيرة حتى هلك.
وعن الحارث بن عمير قال: طعن معاذ وأبو عبيدة وشرحبيل ابن حسنة، وأبو مالك الأشعري في يوم واحد. فقال معاذ: إنه رحمة ربكم ودعوة نبيكم وقبض الصالحين من قبلكم، اللهم آت آل معاذ النصيب الأوفر من هذه الرحمة. فما أمسى حتى طعن ابنه عبد الرحمن بكره الذي كان يكنى به وأحبَّ الخلق إليه. فرجع من المسجد فوجده مكروباً فقال: يا عبد الرحمن كيف أنت؟ فقال: يا أبة ﴿ الْحَقّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكونَنَّ مِنَ الْممْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 147] فقال معاذ: وأنا إن شاء الله ستجدني من الصابرين. فأمسكه ليلته ثم دفنه من الغد.
فطعن معاذ فقال حين اشتد به نزع الموت – فنزع نزعاً لم ينزعه أحد وكان كلما أفاق من غمرة فتح عينيه ثم قال – رب اخنقني خنقك، فوعزتك إنك لتعلم أن قلبي يحبك.
وعن عمر بن قيس عمن حدثه عن معاذ قال، لما حضره الموت قال: انظروا أصبحنا؟ قال: فأتي فقيل: لم نصبح حتى أتى في بعض ذلك فقيل له: قد أصبحت. فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها النار، مرحباً بالموت مرحباً، زائر مغب، حبيب جاء على فاقة، اللهم إني قد كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، إنك لتعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
اتفق أهل التاريخ أن معاذ -رضي الله عنه- مات في طاعون عمواس بناحية الأردن من الشام سنة ثماني عشرة. (صفة الصفوة ج1/ ص 489). رضي الله تعالى عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا كما قيل: تعبوا قليلاً واستراحوا دائماً / يا قلةَ التوفيق للكسلان