كان الدكتور ناصر الزهراني قد نشر في بعض الصحف مقابلة مع بعض الصحفيين أعلن فيها عن قيامه بإعداد مشروع ضخم يحوي مجسمات وأشكالاً لآثار النبي صلى الله عليه وسلم ومقتنياته وللكعبة المشرفة والمسجد النبوي وحجرات النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك، إحياء- بزعمه- لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع ذلك في معرض واسع يتاح للزوار، فكتبت تعقيباً على ما جاء في هذه المقابلة وبينت ما يترتب على هذا العمل من المحاذير الشرعية التي أعظمها أن ذلك وسيلة إلى الشرك بالتبرك بها بحكم نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه بعد ذلك أراد أن ينتصر لهذا المشروع فنشر في جريدة عكاظ العدد 16834 وتاريخ 3/11/1433ه، وفي جريدة الرياض العدد 16157 وتاريخ 2 ذي القعدة عام 1433ه مقابلات له مع بعض العلماء من داخل المملكة وخارجها يؤيدون مشروعه هذا ويثنون عليه ويعجبون بمحتوياته، مما قوى عزمه على المضي فيه، وقد نشر صور هؤلاء المشايخ ونصوص مقالاتهم ليجعلها رداً على تعقيبي عليه. وأقول: إن هؤلاء المشايخ الذين ذكرتهم أيها الدكتور نظروا إلى العمل الفني التشكيلي لهذه المجسمات ولم ينظروا إلى ما يترتب عليه من المحاذير التي أهمها كون هذا العمل وسيلة إلى الشرك بالتبرك بهذه المجسمات بحكم نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأول ما حدث الشرك في الأرض في قوم نوح حينما صوروا صور الصالحين ونصبوها على مجالسهم ليتذكروا بها أحوالهم فينشغلوا على العبادة بالاقتداء بهم ثم آل بهم الأمر إلى عبادتهم من دون الله عز وجل، فكان هذا العمل وسيلة إلى الشرك، فكذلك إقامة مجسمات لآثار النبي صلى الله عليه وسلم، فالمآل ستكون وسيلة للشرك بالتبرك بها بحكم نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالمآل واحد، أو لم ير هؤلاء المشايخ ما يجري الآن حول دار المولد بمكة وغار ثور وغار حراء ومسجد البيعة وغيرها مما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من التبرك بها، وما يعمل حولها من البدع والشركيات؟!، ألا يخاف هؤلاء المشايخ أن يزيد هذا الأمر ويعظم حول هذه المجسمات التي أثنوا على إقامتها وشجعوا عليها وقد عقد الإمام محمد بن عبدالوهاب- رحمه الله- بابًا في كتاب التوحيد بعنوان: باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك، وأورد فيه حديث: "لا تجعلوا قبري عيداً"، أي بالتردد عليه والتبرك به وذكر فيه إنكار علي بن الحسين على الرجل الذي يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو عندها، وعقد الشيخ بابًا آخر في هذا الكتاب بعنوان: ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد ومنع من ألفاظ تقال في حقه مثل أنت سيدنا وابن سيدنا، ويا خيرنا وابن خيرنا، وقال: "ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل أنا عبدالله ورسوله". وأنا أرى أن في هذا المشروع إذا تم نسفًا لجهود دعوة التوحيد في هذه البلاد وعملاً لما يضادها من الشرك ووسائله ولو على المدى البعيد، أليس عمر بن الخطاب قد قطع الشجرة التي وقعت تحتها بيعة الرضوان في الحديبية لما رأى الناس يذهبون إليها ويصلون عندها ثم إن في الشعار الذي وضع لهذا المشروع وهو: (السلام عليك أيها النبي) ما يوحي للجهال أن النبي صلى الله عليه وسلم له حضور في هذا المكان الذي تقام فيه هذه التماثيل بحيث يخاطبونه بالسلام عليه، مما يزيد من الافتتان بهذه المجسمات المقامة، ثم إننا نتساءل هل هذا المشروع الذي يقيمه الدكتور ناصر ويؤيده عليه هؤلاء المشايخ هو من السنة التي تركها سلفنا خلال القرون الماضية أو هو عمل محدث ليس من السنة؟!، فإن كان من السنة فهل الأمة قصرت في إقامته وإن لم يكن من السنة فلماذا نخالف إجماع الأمة على تركه ونحدثه، وكل محدثة بدعة؟!. إن دراسة السيرة النبوية أيها العلماء ليست بإقامة المجسمات المحدثة وإنما هي بدراسة أسانيدها والتفقه فيها كما فعل الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد، وباستخلاص دروس التوحيد منها، والأمم السابقة إنما أهلكت بسبب تتبع آثار أنبيائها والتبرك بها وإعراضهم عما جاءت به رسلهم ألا يكون لنا بهم عبرة والصحابة والسلف الصالح لما فنيت آثار النبي صلى الله عليه وسلم من ملابسه وأوانيه لم يقيموا لها مجسمات تشبهها وهم أحرص منا على الاقتداء به، فلو كان هذا عملاً مشروعاً لسبقونا إليه (ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) كما قال الإمام مالك، وقال عبدالله بن مسعود: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم)، ولقد أنكر الشيخ ابن باز والشيخ ابن حميد- رحمهما الله- على الكاتب الذي دعا إلى إقامة معالم طريق الهجرة وإقامة مجسمات لخيمتي أم معبد وغيرهما خشية من نتائج ذلك، فليسعنا ما وسعهم ولا نشجع من يحاول إحياء الآثار الدارسة بإقامة مجسمات لها كما يحاول صاحب هذا المشروع وقد منعت هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة من عمل مجسمات للكعبة المشرفة والمسجد الحرام والمسجد النبوي وحجرات النبي صلى الله عليه وسلم كما نقلت ذلك عنهم في مقالتي السابقة، هذا ما أردت التنبيه إليه (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. صالح بن فوزان الفوزان