أصبحت أوروبا أسيرة لروسيا بسبب الغاز الذي تعتمد عليه لسد قرابة 40% من احتياجاتها الصناعية والإنتاجية والمعيشية. ولم تستطع أوروبا خلال العقود السابقة الاستغناء عن الغاز الروسي، حيث تمد روسيا أوروبا بأكثر من 200 مليار متر مكعب، وإن كانت هناك بدائل غيره، إلا أنها أكثر تكلفة؛ فروسيا تمد الدول الأوروبية بالغاز عبر أنابيب وهو أسرع وأرخص من شحن الغاز المسال من دول بعيدة. وخلال الأيام السابقة دخلت روسيا في صدام عسكري مع جارتها أوكرانيا، ما حدا بالمجتمع الدولي إلى فرض عقوبات شاملة على روسيا، وأسرعت عشرات الشركات العالمية الكبرى إلى الخروج من روسيا أو على أقل تقدير وقف عملياتها هناك، وهو ما أسفر عن ارتفاع كبير في سعر النفط الذي بلغ صباح اليوم أكثر من 117 دولارًا للبرميل الواحد، وهو مرشح للزيادة خلال الأيام القادمة إن لم ينجح المجتمع الدولي في إنهاء الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا. وكانت أوروبا تعتمد خلال نصف القرن الأخير على استيراد الغاز من هولندا، إلا أن هولندا صارت تقلل إنتاج الغاز في الفترة الأخيرة بسبب خطر حدوث الزلازل نتيجة سحب الغاز من بطون الأرض، وهو ما اضطرها إلى خفض إنتاج حقل غرونينغين للغاز من 53 مليار متر مكعب في عام 2009 إلى 12 مليار متر مكعب في العام بحلول عام 2022، وبالتالي لم تعد قادرة على سد حاجتها من الغاز فاضطرت إلى استيراده. ضعف وتوضح بيانات وكالة الاتحاد الأوروبي لتعاون منظمي الطاقة ونقلتها "STATISTA"، أن هناك بلدانًا أوروبية ستكون أكثر عرضة للخطر في حالة تجميد الغاز الروسي المتجه إلى القارة العجوز خلال الفترة المقبلة، مع فرضية أي تصعيد آخر محتمل. وتظهر لنا هذه البيانات أن بعض الدول الأوروبية تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 100% من احتياجاتها مثل مقدونيا الشمالية، بينما تستورد فنلندا 94%، وتأتي بلغاريا ثالثًا ب 74%، وسلوفاكيا رابعًا ب 70%. بل إن دولاً أوروبية كبرى وصاحبة اقتصادات كبيرة تستورد نصف احتياجاتها من الغاز من روسيا مثل ألمانيا ب 49%، وتأتي سادسًا إيطاليا ب 46%، فبولندا سابعًا ب 40%، بينما تحصل فرنسا على 25% من إمداداتها من روسيا، وتأتي بلجيكا في المرتبة التاسعة ب 21%. وهذه النسب الكبيرة تجعل الغاز الطبيعي المسال هو أبرز نقاط ضعف أوروبا بأكملها في علاقتها مع روسيا، وهو ما يجعل مواقف الدول الأوروبية من روسيا أكثر نعومة أمام أي مواقف متشددة لها. صعوبة وتؤكد كارول نخلة – الرئيسة التنفيذية لشركة "كريستول إنرجي" في لندن – أنه لن يكسب أي طرف، سواء الدول الأوروبية أو روسيا، من وضع قيود على واردات الغاز، "ستعاني أوروبا من ارتفاع الأسعار التي ستؤجج تضخم الوقود وستخسر روسيا الإيرادات في حال قامت طوعًا بخفض الامدادات و(ستخسر) سمعتها كمورد موثوق به". واستبعدت إنرجي استبدال الكميات بشكل كامل خاصة على المدى القصير: "من الممكن ان يكون الفائز الغاز الطبيعي المسال من الولاياتالمتحدة والمصدرين الآخرين، ومن الممكن استبدال جزء من الكميات ولكن لا يمكن حدوث هذا الأمر فجأة. في كل الأحوال، أسعار الغاز المرتفعة هي النتائج المباشرة لهذه الاضطرابات، وقد يساعد شتاء أدفأ على التخفيف من حدة (ارتفاع الأسعار) وسيتأقلم السوق شيئا فشيئًا". وهكذا تصبح أوروبا مجبرة ولو في الوقت الآني على استيراد المزيد من الغاز من روسيا، إذا انتهت الحرب بين الأخيرة وأوكرانيا سريعًا، أو ستدخل دائرة المعاناة الصعبة وطويلة الأجل والمكلفة اقتصاديًا إذا قررت الاعتماد على دول أخرى في توفير احتياجاتها من الغاز.