تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة، الشيخ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ، في خطبة الجمعة اليوم, عن وجوب التضرع إلى الله, وشكره على نعمه, بوصفها طوق النجاة في زمن الفتن والملمات, ومحذراً من الاختلاف والفوضوية, ومنادياً بالتوكل على الله في كل أمر. وقال فضيلته: إن أمة المسلمين تغوص في محن شديدة الخطر عظيمة الضرر, محن تموج, وبلايا تروج, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, مؤكداً أن الواجب علينا جميعاً أن نتعامل مع هذه المصائب بمنطلق سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير؛ امتثالاً لقوله سبحانه: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ", وقوله عز وجل: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ". وأكد آل الشيخ على عظمة توجيه الله سبحانه وتعالى لعباده, إذ يبيِّن سنته عز وجل في خلقه, ويوضح أسباب النجاة من الأخطار, وعوامل الوقاية من الأضرار, مبيناً أن ذلك هو المنهج الإلهي الذي يرسم للأمة العلاج الواقي لرفع العقوبات, والدواء الشافي لدفع البليات, والسبب الأوحد لحفظ نعمة الأمن لجميع المخلوقات. وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن من الأصول القطعية أن الذنوب والمعاصي سبب حلول المصائب والنقم, ووقوع النكبات لجميع الأمم, وأنه بالطاعة والتوبة تحصل النعم, ويستقر الرخاء والرغد وينعم الناس بالأمن والأمان والعزة والفلاح, لقوله تعالى: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ". وبيّن الشيخ حسين آل الشيخ أن النجاة والسلامة تكمن في التوبة إلى الله, وإصلاح ما فسد من الأوضاع والرجوع الصادق لتحكيم الشرع في الخاص والعام, لقول الحق تبارك وتعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ". وقال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي: إن أعظم أسباب دفع العذاب قبل وقوعه, ورفعه بعد حلوله, التضرع إلى الله جل وعلا في كل وقت وحين, والافتقار إليه سبحانه, والانكسار إليه, لاسيما عند البلاء, واشتداد المحن والفتن, حيث قال سبحانه: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ", ومذكراً بقوله عز وجل: " قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ* قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ". وأضاف: إن الالتجاء إلى الله والتضرع إليه ظاهراً وباطناً, قلباً وقالباً هو منهج الأنبياء وعباد الله الصالحين كما في قصة أيوب وقصة يونس عليهما أفضل الصلاة والتسليم, مبيناً أن رسولنا صلى الله عليه وسلم أعظم المتضرعين وأفضل المتقربين يظل ليلة بدر داعياً متضرعاً منكسراً لخالقه جل وعلا, مستشهداً بما رواه أحمد والترمذي بسند حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال: "عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة هباً, فقلت: لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً, فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك, وإذا شبعت شكرتك وحمدتك". وأورد فضيلته قول شيخ الإسلام ابن تيمية لأمير من أمراء الشام: (يا فلان أوقفني موقف الموت, قال الأمير: فسقته إلى مقابلة العدو وهم ينحدرون كالسيل تلوح أسلحتهم من تحت الغبار المنعقد عليهم، ثم قلت له يا سيدي: هذا موقف الموت وهذا العدو وقد أقبل تحت هذه الغبرة المنعقدة, فدونك وما تريد, قال: فرفع ابن تيمية طرفه إلى السماء، وأشخص بصره، وحرك شفتيه طويلاً، ثم انبعث وأقدم على القتال قال الأمير: أما أنا فخيل إلي أنه دعاء عليهم، وأن دعاءه استجيب في تلك الساعة, قال ثم حال بيننا القتال والالتحام, وما عدت رأيته حتى فتح الله ونصر، وانحاز التتار إلى جبل صغير اعتصموا فيه أنفسهم من سيوف المسلمين تلك الساعة. ونبّه فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي إلى خطورة ما يمر به المسلمون من خطوب وكوارث, وأن الخطر الأشد حين لا يستكينون لرب العالمين, ولا يستجيبون, ولا بطاعته يعملون, بل في معاصيه منهمكون, وعن شرعه معرضون, إذ قال جل وعلا: "فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ", فكانت العاقبة وخيمة, والمآل سيئاً، كما جاء في الآية: "فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ"؛ أي فتحنا عليهم من الأرزاق والخيرات والمتاع المتدفق بلا حواجز ولا قيود استدراجاً لهم, ثم ذكر قوله: "حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ"؛ أي غمرتهم تلك الخيرات وفرحوا بذلك, بلا تضرع لله ولا شكر ولا خشية له, ولا تقوى, بل انحصرت اهتماماتهم في اللهو واللعب والاستسلام للشهوات المحرمة، وانهمكوا في أنواع الفساد المختلفة, حينئذٍ تأتي السنة الإلهية "أًخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ", وذلك حينما أعرضوا عن التضرع إلى المولى, ولم تعد النعم تشكر, ولا الكروب تزجر, ولا حسن البيان يرقق, تأتي سنة الله وإن كانت هذه الأمة لا تعذب بالاستئصال الكامل كالأمم السابقة إلا أنها تعاقب بما يحصل من الشقاء والعناء والتفرق والاختلاف، وحتى يكون بعضهم يقتل بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً. وقال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي: إن الواجب على أهل الإسلام الاتحاد والتعاون على الحق ودحر الباطل, وأن يتعاونوا على رد المكائد التي تحاك لبلاد المسلمين، وتهدف لشقّ الصف والكيد للمسلمين في عقيدتهم ودينهم ومصالحهم, وأن على المسلمين جميعاً أن يقفوا صفاً واحداً لكشف دسائس الأعداء في الإفساد والتدمير, لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ". وقال الشيخ حسين آل الشيخ مذكراً بالمكانة العليا التي تتبوأها بلاد الحرمين في أفئدة عموم المسلمين, بوصفها بلاد أهل الإسلام, وأن عليهم أن يتكاتفوا في الحفاظ على لحمتها، وجمع وحدتها وأمنها واستقرارها, مبيناً أن ما ينعم به الحرمان الشريفان من أمن ورخاء وعيش سعيد نعمة على كل مسلم, وعلى الجميع شكر هذه النعمة وبذل كل غالٍ ورخيص في الدفاع عنها والحفاظ على استقرارها وسلامتها, فذلك من أعظم الواجبات وآكد المفروضات. وختم فضيلته خطبته محذراً من الانسياق وراء الشائعات التي هي سبيل المنافقين والكفار في تفتيت الصفّ الإسلامي في عصر النبوة, مبيناً أنها مسلك مذموم ومنهج يسلكه الأعداء والمتربصون لحصول الهزيمة المعنوية، والوقوع في الفتنة والأمور المشينة؛ للتأثير على المعنويات والعزائم, وأن الواجب على أهل بلاد الحرمين في الوقت الذي توجه إليهم سهام الأعداء المتعددة أن يجتمعوا مع قائدهم خادم الحرمين الشريفين, ويكون كل فرد جندياً يحفظ الله به الأمن والرخاء والاستقرار التي هي مقاصد ضرورية يجب مراعاتها وحفظها والدفاع عنها، خاصة وقت الشدائد والأزمات.