تحدثت في المقال السابق عن أولئك المتنمرين الذين اتخذوا من شبكات التواصل الاجتماعي، منصة لإطلاق حملاتهم المشبوهة والمشينة على الجهات والأفراد، وأن كثيراً من الناجحين والمنجزين والمؤثرين كان ضحية لتلك الهجمات التنمرية.. وأتحدث اليوم إلى المتنمر عليهم، مقتبساً جملة من المقترحات للتعامل مع ذلك التنمر حال وقوعه. وعوداً على “تيم فريس” صاحب كتاب (أدوات العظماء) الذي نال حظاً وافراً من غزوات البلهاء عليه واتهامه بكل نقيصة، لأنه ألف كتاباً رائعاً وكتب مقالات إيجابية، فقد تحدث “تيم” عن جملة من الوصايا الجميلة حول التعامل مع أصحاب الحملات المسعورة، ويشير إلى أن من المهم أن تركّز – أيها المتنمر عليك- عند الحديث والكتابة ونحوها على (القلة) من المعجبين بالطرح، المهتمين به، واعتبارهم أقوى قوة تسويقية لك، وأنه يكفي إعجاب ( ألف ) شخص بفكرتك، فلا يهمّ بعد ذلك أن يوافقك بقية ملايين البشر أو يختلفوا معك، كما يشير”تيم” إلى أن وجود 10% من المعارضين هو أمر طبيعي، وأن توقع ردّات الفعل السيئة من أولئك، يعين على تجاوزها وعدم الضجر منها، كما يشير إلى أن الاستجابة الأفضل والأنجع للنقد الجارح على الإنترنت تكمن في فصل الأكسجين عن ذلك الرد بتجاهله وعدم التجاوب معه، ف(الحقران يقطّع المصران) كما يقول المثل الشعبي السائد، إذ أن الردّ في الكثير من الأحيان يعلي من شأن المردود عليه، ويعطيه شعبية لا يستحقها، ويثبتّ رده، وبرغم أن البقاء صامتاً في وجه أولئك الحاقدين يعدّ أمراً صعباً؛ إلا أنه أكيد المفعول في تهميشهم وتقليل تأثيرهم، وهذا لا يمنع من الرد على بعض الحجج إذا كانت حججاً منطقية وبدا أن صاحبها ينطلق من البحث عن الحق لا مجرد اللجج، كما أنه من المفترض أن لا تبالغ في الاعتذار حين تقع في الخطأ، فالاعتذار والتراجع عن الخطأ محمدة، لكن لا تبالغ في ذلك وتطيل الحديث عنه في كل مرة، ولتتيقن أن كل الحجج العقلية لا تفيد في نقاش شخص اعتنق فكرة ما بغير عقل، بل لمصلحة أو مواقف شخصية أو مآرب خاصة، وأن تدرك أن محاولة جعل الجميع “يحبونك” يعني أن تكون خالياً من اللون والطعم والرائحة، وهو ما يعتبر في الحقيقة نوعاً من الدونية، ويوصي “تيم” بالابتسامة والرضى حين يظن الآخرون بأنك أحمق وغبي لأنك لم تكن أمّعة مثلهم، وأن ذلك يعتبر شهادة إيجابية لك على أنك “مستقل” بفكرك عن القطيع. وأخيراً يوصيك وأوصيك معه : بأن تعيش بسعادة، عيشاً كريماً وفقاً لقيمك ومبادئك ودينك، وأن تهتم بأولئك القلة الذين يباركون أفعالك وأقوالك الجميلة، ولا تنشغل كثيراً بالبقية. إن الدخول على شبكة الإنترنت والاشتراك في شبكات التواصل – اليوم – لا يعني الدخول إلى مجلس علم وفكر وثقافة، بل إلى المجتمع بكل تفاصيله، فتجد الأسوياء وغيرهم، وتجد الكبار وغيرهم، وتجد العقلاء وغيرهم، وتجد المحترمين وغيرهم، بل يمكن لبعض المبتلين بأمراض عقلية أو حالات نفسية خطيرة، ويمكن للحمقى والمغفلين والسطحيين والموسوسين وأصحاب الظنون السيئة، يمكنهم جميعاً الدخول والتسمي بأي اسم يبدو حقيقياً أو وهمياً، ويمكنهم أن يضعوا صورتهم أو يسرقوا صورة غيرهم، ويمكنهم أن يمنحوا أنفسهم أي لقب أكاديمي أو وظيفي، ثم يتحدثون في كل قضية ويردون على كل أحد! وقد يتبين أن وراء ذلك المعرّف المزعوم .. غلام لم يبلغ الحلم، ولم يكمل الدراسة، ولم يفلح في شيء. وأختم هنا برسالة مهمة.. رسالة شكر وتقدير وتهنئة وإجلال لكل الصامدين على مبادئهم، الثابتين على قيمهم، الذين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، الذين يبتغون ما عند الله والدار الآخرة، الذين يقدّسون النص الشرعي، ويقفون عنده، الذين يعظمون شعائر الله في نفوسهم وفي نفوس من يؤثّرون عليه، الذين لا تزيدهم تلك الحملات التشويهية إلا ثباتاً وإصراراً ومقاومة، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) . دمتم بخير محمد بن سعد العوشن إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري @bin_oshan