حين نشر “تيم فريس” كتابه الرائع “اعمل 4 ساعات فقط في الأسبوع” نال هجوماً واسع النطاق من أشخاص بعضهم قرأ الكتاب، وبعضهم قيل له عنه!، بل اعتبره البعض في تعليقاتهم “أكبر مغفل في العالم”!. وحين كتب “تيم” ذاته مقالاً في أحد المواقع الإلكترونية عن أهمية جمع التبرعات للفصول الدراسية ذات الاحتياجات الكبيرة في الولاياتالمتحدة، لم يسلم من هؤلاء المتنمرين، إذ اعتبره بعضهم مجنوناً ومتعاطياً للمخدرات، ووصفه البعض بأنه عار على المجتمع، وشرير يريد إفساداً، لماذا؟ لأنه كتب هذا المقال! فهل تصدّق أن كاتباً لمقال يحث الناس على التبرع لمشروع تعليمي واضح يمكن أن ينال ذلك الهجوم الأهوج؟ نعم، ف “في كل وادٍ بنو سَعْد” كما يقول المثل. وهذه – للأسف – حقيقة واقعة في عالم شبكات التواصل الواسع، حيث يتم التحزّب والتآمر لأجل إسقاط شخص، أو فكرة، أو جهة، فيتم بكل سهولة تجييش الجموع من الناس نحو وجهة واحدة، والعمل بكل السبل المشروعة وغير المشروعة لأجل تشويه الصورة، والنيل من صاحب الفكرة، ومصادرة الرأي لمجرد عدم توافقه مع السائد، أو لعدم فهم الرأي أصلاً، أو للفهم الخاطئ للفكرة واعتبارها نشازاً وخروجاً عن السائد .. إذ افترضنا أن هناك رأياً سائداً أصلاً حول هذا الموضوع أو ذاك. وتتنادى تلك المجموعة المنطلقة من فكر واحد، تلك المجموعة المؤدلجة، إلى شن حملات واسعة النطاق، يغلب عليها أن تكون من معرفات مجهولة وجديدة، وأسماء غير حقيقية، وحسابات متكررة، لتحقيق الحشد المضاد، يجمعهم – غالباً – قلة الوعي، وسوء الأدب، وضعف الديانة، والجرأة على الحديث عن الأعراض والنوايا وإلقاء التهم جزافاً، واعتبار المخالف لهم إرهابياً أو متطرفاً أو ذا أغراض خفية أو مقاصد خبيثة غير ظاهرة، وحالهم في الحقيقة كما قال الأول “رمتني بدائها وانسلّت”. وواقع الحياة – كما يقول تيم ذاته – كما هو حال الرياضات “الاحتكاكية”، التي من طبيعتها، ومن نتائج الدخول إليها أن تكون الأنوف دامية، والكدمات والجروح في مواضع عديدة من الجسد.. ومن دون ريب أننا اليوم نرى هذه الظاهرة في تصاعد، وأن “التنمر” في شبكات التواصل يتم على قدم وساق، وأن كثيراً من هؤلاء المتنمرين مستعد لرميك بكل تهمة كبيرة أو صغيرة، واتهامك في دينك – وهو أجهل الناس بالدين-، واتهامك في حبك لوطنك -وهو الذي لا يفكّر إلا في مصالحه الخاصة-، واتهامك في عقلك – وهو الذي تدل كتاباته على مستواه العقلي-، واتهامك في أخلاقك – وهو الذي لا يعرف للأخلاق سبيلاً – . وحين تحاول البحث في ثنايا تلك الهاشتاقات المتنمرة عن أي حجة منطقية يمكن تدارسها، أو أسلوب محترم يمكن أن يقرأ، أو نقاشاً علمياً أو عقلياً، أو أرقاماً أو إحصائيات، أو معلومات، يمكنها أن تدفعك للتفكير، فإنك لن تجد شيئاً، ففاقد الشيء لا يعطيه. ويصدق في هذا ما قاله المفكر الإيطالي أمبرتو إيكو حيث يصف أدوات مثل تويتر وفيسبوك بأنها (تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء). وقد رأيت في الفترة الماضية تواطؤاً كبيراً للنيل من رجال فضلاء ونساء فاضلات، من إعلاميين وعلماء وتجار وموظفين حكوميين وغيرهم، ممن تشهد لهم أعمالهم وإنجازاتهم وسيرتهم العطرة، وما ذلك إلا لأنهم يناقشون بعض قضايا المجتمع من خلال وجهات نظرهم، وهي قضايا قابلة للأخذ والرد ولا يلزم أن يتم التوافق عليها، غير أن أولئك المتنمرين يصرون على الرفع من حدّة الحديث فيها، واستخدام لغة “التخوين” سلاحاً بهدف تخويف الناس من الخوض في تلك القضايا، وممارسة الإرهاب الفكري الذي يمنع الناس من التفكير، والنقد، والتحسين، والتطوير. وما يجب أن يعرفه أصحاب الرأي والعقل، أن انتظار الرضا من هؤلاء، أو توقع القبول منهم، أو الإذعان لهم لن يحل المشكلة على الإطلاق، فهم صانعوا المشاكل، ومفتعلو الخصومات، مهمتهم أن يردّوكم عن سواء السبيل، ويحولونكم إلى نسخ من القطيع، مهمتهم أن يجردوكم من نقاط قوتكم وتميزكم، وأن يضعفوكم، ثم يضعفوكم ثم يضعفوكم، حتى تصبحوا مسخاً لا تدرون أي هوية تحملون. دمتم بخير ،،، محمد بن سعد العوشن إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري @bin_oshan