نواصل الرد على شبهة تعارض الدين مع العلم، توقفنا عند الوعد بمناقشة المحور الخامس، وهو قصور العلم ومحدوديته إن العلم الذي تحكمون من خلاله على أن الدين يناقضه، هو علم يتعلق بالأمور الظاهرة، لا الأمور الغيبية، وهذا ما قرر ( رَسِل ) بأن الحديث عن الإله أو عن الدين، أو التجارب الروحية تقع خارج نطاق العلم ؛ لأن الحديث في مثل هذه الأمور كالحديث عن الخرافة والأساطير التي لا حقيقة لها. فرَسِل يرى أن العلم لا يسبر غور كل شيء، بل هو مختص بالأمور الظاهرة فقط، أما ما يتعلق بالعالم غير المشاهد كالإله، أو أمور الدين التي لا تخضع للتجربة، هذه خارج نطاق العلم، لأنه يَعْتبر عالم الغيب ليس حقيقة، وإنما تخيلات وخرافات لا صحة لها، وهذا قول لا يستطيع الماديون التجريبيون إثباته. وهذا ريتشارد دوكنز يرى أنه: ” ما زال الكون لغزاً، وما زال الإنسان يسأل ويبحث ويكتشف لكنه ما زال في بداية الطريق ". دوكنز يرى أن العلم الذي يقدسه ما زال في بداية الطريق رغم تقدمه. إذاً كيف يُجْعل من علم محدود أفقه، لا يستطيع أن يحكم على الأمور الغيبية، وما زال في بداية طريق المعرفة والوصول إلى الحقائق، حكماً على الدين، بل يُقصيه ويخرجه من المعادلة، وهذا رأي مجافٍ للحقيقة والواقع. ينبغي لمن تبنى هذا الرأي الانفصالي التناقضي بين العلم والدين، أن يبني قوله على أسس قوية متينة، وأن يكون العلم علماً لا شيء يحده، ولا أمد يوقفه، وأن يكون لديه من الشمولية ما يجعله يحكم على الدين، وأنه مناقض للعلم. إن العلم الذي يعظمه الملاحدة ومن سار في فلكهم، ممن يعظمون العلم تعظيماً جعلهم ينظرون إلى الدين على أنه خرافة وأساطير لا حقيقة له، تقف أمامه عقبات تبين عجزه ومحدوديته وقصوره، منها: 1 – أنه علم يختص بالأمور الظاهرة ودراستها، أما الأمور الغيبية فلا ينظر إليها، بل لا يعتبرها علماً، أو هكذا يصوره الملاحدة. وهذا خلاف الفلسفة التي تُعْنى بدراسة حقائق الأشياء وبواطنها، ومع ذلك فالفلسفة هي الأخرى ظلت الطريق. 2 – أن الملاحدة يظنون أن العلم شيء واحد، بينما هو أقسام منها: أ – ما ثبت بالأدلة القطعية صحته – أعنى هنا العلم الدنيوي – على اختلاف التخصصات، من طب وفلك وفضاء وغير ذلك. ب – ومنه ما ثبت بأدلة غير قطعية، بدلالة خروج نظريات واكتشافات تنقض ما سبقها، أو تُرَد؛ لأنها ليست حقائق علمية قطعية، فهي معلومات أتت عن طريق وسائل إنسانية بحتة، كان يدعي علماء المادة أنها نظرية تمثل حقيقة علمية غير قابلة للنقض. ومن ذلك النظرية الداروينية، التي تكلمت عن نشأة الكون وخلق الإنسان وتدرجه في الخلقة، فهي نظرية لم تقم على أدلة ثابتة قطعية، ولكن العلماء الماديين الذين تبنوها وسلموا بها، لا إيماناً بقطعيتها، وإنما فراراً من الإيمان بالإله وأنه الخالق المدبر ، وهذا أمر لا يريدونه، لأن هذه النظرية الخاطئة والتي يوهمون أنفسهم بصحتها، من ضمن الأدلة التي يستندون إليها في إثبات التناقض بين العلم والدين. ج – ومنه ما هو تخرصات بُنِيت على غير دراية ولا علم. د – ومنه ما هو مشكوك في صحته أصلاً كقضية الصعود إلى القمر، فقد خرجت دراسات وتقارير غربية تشكك في مسألة الصعود هذه. و في المقابل نجد أن الدين الإسلامي يخبر عن الأمور الظاهرة والباطنة، والحاضرة والماضية والمستقبلية، لأنه من لدن عليم حكيم لا يضل ولا يخطئ. و نحن كمسلمين نقيم تحدياً أن يأتي أحد بشيء ذكره القرآن الكريم أو السنة النبوية فيثبت تناقضه في نفسه أو مع العلم الصحيح، شريطة أن يكون منصفاً، طالباً للحق غير حاقد على الإسلام، فإن النتيجة هي الخيبة والصغار له. بل جاءت الاكتشافات المعاصرة باختراعات واكتشافات، تَبَيْنَ لهم فيما بعد أن الإسلام سبقهم إليها، كعلم الأجنة، حيث ذكر القرآن أن الإنسان خُلِقَ أطواراً. و غير ذلك من الأمور المتعلقة بالفلك، والكواكب والطب وغيرها. الخلاصة: العلم يقف عند حدود لا يستطيع تجاوزها، ولا تتبين إلا عن طريق الدين. فحائق الكون ودقائقه وحكمة الله فيه، تغاب عند العلم البحت، ولا يمكن أن نصل إلى حقيقة ذلك إلا عن طريق الدين. ثم إننا نرى العلم يقف عند بعض الأمراض عاجزاً عن اكتشاف دواء لها كالإيدز مثلاً. وأقول: العلم على ما بلغ من تطور ورقي يقف عاجزاً أمام الكثير من أسرار الإنسان نفسه، ومكوناته، ويكفي هذا السؤال بياناً لعجز العلم: هل يستطيع العلم أن يعرف حقيقة الروح وكنهها؟.