تحفل مواقع الإنترنت وشبكات التواصل بالمعرفات الموسومة بأنها “خطّابة”، فتجد هذا الاسم منتشراً في تويتر، وانستغرام، وتيلجرام، ومنتديات الإنترنت، وصفحات الفيسبوك، بل حتى في شبكة LinkedIn للتوظيف! كما يتبادل الناس فيما بينهم أرقاماً لخطابات مختلفات، ويروون تجاربهم في ذلك بارتياح حيناً، وبارتياب وذم أحياناً كثيرة أخرى. وبينما تقوم بعض الخطابات بالتوفيق لكل راغبي الزواج، تقوم خطابات أخريات بالعمل التخصصي! فثمة خطابات للمسيار، وللزواج المعلن، وخطابات للتعدد، وخطابات لجنسية أو مدينة محددة، وخطابات عابرات للدول والقارات!، وتضع الخطابة غالباً رقم جوالها من أجل التواصل المباشر معها للحصول على المزيد من المعلومات وترتيبات التحويل البنكي، وأي تفاصيل يجب ألا تقال على الملأ! كما تشترط كثير من الخطابات أن يتم إيداع مبلغ مالي تحت مسمى “عربون” لإثبات الجدية – كما يقلن- ويجعلن المبلغ الكامل والمكافأة على جهدها بعد الانتهاء من التحليل الطبي، أو بعد إتمام عقد الزواج، حيث تشترط أكثرهن أن يكون الدفع من الرجل والمرأة على حد سواء، وتتراوح المبالغ المأخوذة ما بين 500 ريال و5000 ريال غالباً، وقد يزداد المبلغ حين يكون لدى الخاطبة عرض مميز أو كما يسمى : “لُقطة” رجلاً كان أو امرأة . كما تقوم الخطّابات في الكثير من الأحيان بتزيين وتزويق المخطوبة – كما يقول المتعاملون معهن- فيجعلونها درة زمانها التي لم تكتشف، وحسناء بلادها التي لم تعرف، وينسجن لها من الصفات والمزايا والخصائص ما يجعل الخاطب يشعر أنه أمام صيد ثمين ومكسب كبير، وأنها ربما تكون فرصة العمر للظفر بهذه الفتاة الكاملة!، ويفعلن ذلك تجاه الرجل الخاطب فيقمن بتزيينه للفتيات جمالاً ولوناً وشعراً ومالاً وأخلاقاً وغير ذلك. ولا تتورع الخاطبة عن أخذ المبالغ المالية على جهد أيسر من اليسير، حيث إن كثيراً من تلك الخطّابات لا تقوم بجهد يذكر، والمتميزة منهن من تضع جدولاً إلكترونيا مبسطا تكتب فيه المعلومات والصفات والمتطلبات، ثم تربط الخاطب بالمخطوبة أو بوليها، وتترك الأمر بينهم، دون جهد حقيقي في الاستيثاق، فإن توافقوا فيما بينهم طالبتهم بإيداع مخصصها المالي في حسابها دون تأخير، بل تجدهن يطالبن بتكرار الطلبات مما يوحي بأنهن لا يقمن بالتسجيل بل يعتمدن على الذاكرة فقط. ولا تخلو حسابات الخطابات من صور رسائل المستفيدين ( سواء كانت حقيقية أم ملفقة) والتي تشيد بمصداقية الخاطبة وحسن بلائها، وتتحدث عن السعادة التي غرق فيها الرجل مع الزوجة الرائعة التي جاءت له بها (الخطابة أم فلان). ولست هنا بصدد التنفير من الخطابات، ولا تشويه صورتهن، لأنني كنت – ولا زلت – أرى أن تعدّدّ وسائل التوفيق بين راغبي الزواج، وتيسيرها، وتكثيرها أمر في غاية الأهمية، لإن جزءاً غير قليل من العنوسة اليوم ناشئ عن فقدان التواصل المجتمعي بين الناس، والتحول من العلاقات المجتمعية المتداخلة – سابقاً – إلى العوائل الصغيرة جداً اليوم، وأن الحاجة ماسة إلى تعويض ما نراه اليوم من فقدان للتواصل السابق بين العائلات المختلفة واستبداله بالتواصل الإلكتروني، مما أثر سلباً على طبيعة ونوع وحجم العلاقات المجتمعية، ومن هنا فدور “الخطّابات” في الأصل دور مهم، حتى وإن لم تكن الممارسة العملية بالشكل المطلوب. ومع أهمية وجود (الخطابات) فإنني في الوقت نفسه لست مع ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لكل أحد ليعمل تحت اسم (خطابة)، فالمتصيدون بهذا الاسم كثير، هذا فضلاً عن أن معرف الخطابة ليس بالضرورة أن يعود لامرأة تقوم بهذه الخدمة، فأحياناً يكون الحساب خاصاً بفتاة تبحث عن زوج، ويكون أحياناً لرجل يبحث عن زوجة أو عن صديقة! فهناك من يجعل هذه المعرّفات وسيلة يسيرة لاصطياد الفرائس والإيقاع بهن، وتكون وسيلة للابتزاز حين تطالب الخطابة الفتاة بإرسال صورتها للتأكد من مدى مطابقة مواصفاتها لطلب ذلك الخاطب المميز الثري الرائع الخلوق، وتحت ضغط هذه الأوصاف النادرة ربما تبادر الفتاة وترسل صورتها، ثم يبدأ مشروع الابتزاز، فضلا ً عن أن جملة من هذه المعرفات أصبحت وسيلة لأخذ الأموال بغير حق باستغلال حاجة الرجال والنساء للزواج. ولأن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مشكورة قد تمكنت من خلال الكثير من مبادراتها أن تضبط وتوثّق العديد من الإجراءات، لكونها الجهة المنظّمة لهذا القطاع (الاجتماعي)، فإنني أقترح عليها مشروعاً جديداً باسم “توثيق الموفّقين” او “توثيق الخطابات” والذي يقوم على تسجيل بيانات كل من يرغب العمل في مجال التوفيق بين راغبي الزواج، ويكون ذلك وفق شروط ومحددات ضابطة، ومن خلال بيانات مكتملة، وحساب بنكي محدد، وتسجيل في بوابة تابعة للمشروع، بحيث يمكن للراغبين في التعامل معهن أن يتأكد من وجود هذا المعرف برقمه التسلسلي ضمن من تم توثيقهم لدى الوزارة. وسوف يكفل هذا المشروع تقليصاً كبراً لأعداد المتلاعبين بمشاعر الراغبين في الزواج، وسيخفت بريق المخادعين، ويبقى المجال للأصدق، إذ أن الناس سيزهدون في كل من يعمل وهو غير موثّق رسمياً. ويمكن للوزارة أن تطلق بوابة إلكترونية تتيح للمستفيدين من هؤلاء “الموفّقين” تقييم مستوى الخدمة المقدمة، ووضع درجات تعبر عن مستوى كل موفّق، وتحديد مدى مصداقيته وحسن تعامله مع المستفيدين، مع الحرص على تطوير أداء هؤلاء الموفّقين، ومساندتهم، ووضع الضوابط لهم، ومراقبة أدائهم، وإعانتهم بالنماذج والبرامج المعينة، بما يحقق للوزارة مساهمة فاعلة في إتمام التوفيق، والتخفيف من العنوسة، من خلال عملية متكاملة موثوقة، ومتابعة مستمرة. وأحسب أن الوزارة قادرة على ذلك، ولها تجارب متعددة في توثيق المواقع والمعرفات الإلكترونية للأسر المنتجة والأفراد الذين يتولون متاجر خاصة من خلال الإنترنت، فقدرتهم على نقل التجربة للخطابين والخطابات أمر مؤكد. بل يمكن للوزارة فرض رسم يسير للاشتراك في هذه الخدمة يقوم بدفعه الموفّق لضمان جديته، ولضمان استدامة المشروع حتى لو قررت الوزارة التخلي عن دعمه لاحقاً. أرجو أن يجد هذا الاقتراح أذناً صاغية في وزارتنا الموقّرة، وأن نسعد قريباً بإطلاق بوابة (توثيق الموفقين)، وإنّا وإياكم لمنتظرون. دمتم بخير ،،، محمد بن سعد العوشن إعلامي مهتم بتطوير الذات والعمل الخيري @bin_oshan