10.1 تريليونات قيمة سوق الأوراق المالية    1% انخفاضا بأسعار الفائدة خلال 2024    تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    حوار «بين ثقافتين» يستعرض إبداعات سعودية عراقية    5 منعطفات مؤثرة في مسيرة «الطفل المعجزة» ذي ال 64 عاماً    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطور أساليب الخطوبة في المجتمع السعودي

لقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتماماً كبيراً، فسمى الله عز وجل عقد الزواج ميثاقاً غليظاً في قوله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (سورة النساء، الآية: 21)، ولم يسمّ الله تعالى أي عهد بالميثاق الغليظ سوى ثلاثة عهود فقط، لذا حذر الإسلام من أن يُستهان بهذا العقد أو حرمته، فأوجب أن يكون محترماً من قبل من يقدم عليه، ابتداءً من الأسلوب المتبع في التعارف بين الزوجين أو في طريقة إجراء العقد، وانتهاءً بالعيش المشترك بين الزوجين وتعامل كل طرف مع الآخر.
إن صلاح الأسرة مؤداه بالضرورة صلاح المجتمع والعكس صحيح، ومن هنا وضع الإسلام العديد من القواعد التي تضمن سلامة سير الحياة الزوجية، ومن هذه القواعد ما هو قبل الزواج، ومنها ما هو بعده، والحديث هنا سيكون عن المرحلة التي تسبق عملية الزواج، وهي مرحلة الخِطبة، وما يكتنفها من إشكالات مجتمعية، وتغيرات قيمية متأثرة بالسياق العام لحركة المجتمع، وتأثير العوامل الأخرى في ذلك السياق، سواء كانت هذه المؤثرات داخلية، أم من التأثيرات الخارجية العالمية في ظل الانفتاح الإعلامي والثقافي والاقتصادي بين دول العالم على بعضها البعض. وبالجملة فإن عملية اختيار الشريك (الخِطبة)، عملية معقدة، ومتداخلة في بعدها الشرعي، والاجتماعي، والنفسي، والاقتصادي، والقبلي. وسيكون الحديث عن التطور الاجتماعي لعملية الخطوبة في المجتمع السعودي، وكيف كانت خِطبة الشاب لشريكة حياته، وكيف أصبحت، وكيف ستكون، مع اقتراح بعض الخطوات العملية للتعامل مع التغيرات التي يمرّ بها المجتمع السعودي.
تتباين عمليات الاختيار للزواج (الخِطبة) وفقاً لثقافة كل مجتمع، وتقاليده، فرغبات الشخص راغب الزواج ليست وحيدة في رسم معالم الطرف الآخر في الزواج، بل تتدخل معايير أخرى سائدة في المجتمع سواء كان المجتمع الصغير (الأسرة)، أم المجتمع بشكل عام، وقد تكون هذه المعايير واضحة ولا تقبل التنازلات، وقد تكون أعرافاً عامة سائدة ترسخت بمرور الزمن، وبرضا أفراد المجتمع بها ضمنا. وبشكل عام هناك أسلوبان رئيسان في (الخِطبة) في المجتمع السعودي:
الأول: الأسلوب الوالدي، ويكون بتدخل مباشر وقوي في عملية الاختيار من قبل الوالدين أو الأجداد، أو الأسرة بشكل عام، وغالباً ما يكون هذا التدخل لاعتبارات اقتصادية واجتماعية. ذلك أن مشروع الزواج مشروع أسري وليس مشروعاً فردياً خاصاً بمن يريد الزواج. وفلسفة هذا الأسلوب هو أن مكانة الفرد من مكانة الأسرة، فهي مكانة موروثة، فإذا كانت الأسرة هي التي تُكسب الفرد مكانته فمن حقها أن تختار له زوجته أو زوجها.
والأسلوب الثاني في الاختيار: هو الأسلوب الشخصي وفيه تطغى رغبة الفرد الشخصية، والذاتية على الاعتبارات الأسرية، والعائلية، بل حتى المجتمعية، وإن كان هناك أثر ملموس لتوقعات الأسرة في الشريك الذي يختاره الفرد، حتى وإن كان بهذا الأسلوب ولكنه أخف من الأسلوب الأول السائد في الكثير من المجتمعات.
واقع عملية الاختيار للزواج (الخِطبة) في المجتمع السعودي
لقد مرت عملية الاختيار للزواج (الخِطبة) في العقود الخمسة الماضية بأطوار مختلفة، بشكل عام وإن كانت لا تخلو من تداخل زمني، وموضوعي، شأنها شأن كل العمليات الاجتماعية في أي مجتمع، فقد بدأت عملية اختيار الشريك (الخِطبة) من خلال الأسرة واستمرت فترات طويلة جداً، ثم تداخل معها، مرحلة التعرف على الشريكة من خلال الأصدقاء والزملاء في العمل، ثم مرحلة الخطّابين والخطّابات، ثم بدأ شيء من التنظيم من خلال برامج التوفيق والدلالة في مشاريع مساعدة الشباب على الزواج، ثم مرحلة الدلالة عن طريق الإنترنت، والقنوات الفضائية، وتفصيل ما ذكر على النحو الآتي:
أ) عملية الاختيار للزواج (الخِطبة) عن طريق الأسرة:
وهذا الطريق من أقدم الممارسات الاجتماعية لعملية (الخِطبة) في المجتمع السعودي، وهي تتمّ في كل مناطق المملكة دونما استثناء، وفيها تدل أسرة الشاب (الجدة - الأم - الأخوات - الخالات - العمات) الشاب على الفتاة التي يرين أنها تتناسب والمواصفات التي حددها سلفا، أو التي يرون أنها الأنسب وفق تطلعاتهن، ونظراً لأن الأخوات من جيل أقرب لتصور الشاب، فمن ثم يصبح دورهن هو الأهم، وهن غالباً ما يبحثن ضمن دائرة صديقاتهن، ومعارفهن من الوسط الجامعي أو الدراسي إجمالاً، ثم في إطار الصديقات اللاتي ينتمين إلى الوسط الاجتماعي والثقافي نفسه الذي يعشنه.
ومن الملاحظ أن العامل الفاعل في هذه الوسيلة، هو العنصر النسائي باعتبار سهولة اطلاعهن على البنات لدى الأسر الأخرى، بالإضافة إلى كثرة تواصلهن المباشر من خلال المناسبات التجمُعية، مثل: الأفراح، والحفلات، والأعياد، وحتى مناسبات العزاء، سواء من داخل العائلة، أم على مستوى الحي والجيران، أو الأقارب البعيدين، أو المدارس والجامعات. وأماكن العمل، ولكن هذا لا يعني عدم وجود تدخل من قبل الجانب الرجالي (الجد - الأب - العم - الأخ)، ولكن الغالب على عملية الدلالة من قبل العنصر الرجالي أنها تكون عامة تتعلق بمكانة الأسرة الاجتماعية، والدينية، والاقتصادية، ولكن دون دخول في التفاصيل الذاتية والجمالية والسلوكية الشخصية للفتاة المراد خطبتها. وفي آخر دراسة عن الزواج في المجتمع السعودي تبين أن (79.7%) من أفراد العينة كانت الدلالة على الزوجة عن طريق الأسرة.
ب) عملية الاختيار للزواج (الخِطبة) عن طريق الأصدقاء والزملاء:
وهذا النوع من الاختيار له حضور ليس بالقليل بين الشباب في المجتمع السعودي، وبخاصة في المناطق الحضرية، والمدن الكبرى. حيث يتوصل الشاب إلى شريكة حياته عن طريق الأصدقاء، أو الزملاء في العمل، وليس بالضرورة أن تكون المخطوبة أخت لهذا الصديق أو الزميل، بل الغالب أنها لا تكون كذلك، حتى لا يتصور الشاب أنه يُسوق لأخته، وقد يكون هذا النوع من (الخِطبة)، محبب لدى الكثير من الشباب لأنه يوفر له مرونة أكبر في الحديث عمن يبحث عنها لتكون زوجة له، بالإضافة تحقق فرصة الرؤية بشكل أكبر، وقد تكون قبل الدخول في أي إجراءات رسمية للخطوبة، بل قد لا تعلم الفتاة نفسها بعملية الرؤية.
ج) عملية الاختيار للزواج (الخِطبة) عن طريق الخطّابين والخطّابات:
تعد مهنة الخطّابين والخطّابات سائدة في معظم المجتمعات العربية بلا استثناء، وتتفاوت قوة وتمكنا من مجتمع إلى آخر، وقد بدأت هذه المرحلة وهي عملية اختيار الشريك (الخِطبة) عن طريق الخطّابين والخطّابات في المجتمع السعودي احتسابا ممن هو معروف بالصلاح، أو من له علاقات متميزة في مجتمعه المحلي من الرجال وكذلك من النساء، وبخاصة كبيرات السن اللواتي يجلن البيوت في السابق. ثم توسعت هذه العملية وازداد الحضور النسائي حتى أصبحت السيطرة لهن، ذلك أن طبيعة المرأة وقدرتها على الوصول إلى أعماق البيوت واطلاعها على الفتيات بشكل مباشر مكنها من السيطرة الفعلية على هذا المجال، إضافة إلى السمات الشخصية والعقلية للمرأة في عملية القدرة على الرصد والتذكر وسرد التفاصيل الجمالية والشكلية لكل فتاة.
إن ممارسة الخِطبْة عن طريق الخطّابين والخطّابات كانت احتسابا وابتغاء الأجر من الله عز وجل، وسعي في قضاء حوائج الناس انتظاراً للأجر منه وتصديقا بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه: (.. مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ). كما اتصفت ممارسات عملية المساعدة على (الخِطبة) عن طريق الخطّابين والخطّابات على العفوية، والتلقائية، والنصح، ولكن مع مرور الزمن بدأت تنصبغُ هذه الممارسة بجانب مادي، حيث يشترط الخطّاب، والخطّابة مبلغا من المال.
ثم دخلت مهنة الخطّابين والخطّابات مرحلة جديدة، وتغيّراً نوعياً شمل الآلية والممارسة، فأصبح هناك نساء متخصصات لهذه المهمة ومتفرغات لها، بل ويُعرفن بها، حيث يطلبن من أسر الفتيات السماح لهن بعرض فتياتهن على الباحثين عن زوجات مقابل مبلغ مالي، وقد تزود الأسرة الخطّابة بصورة للفتاة، وفي الوقت نفسه، تمتلك الخطّابة صوراً للراغبين في الزواج من الرجال، ومن هنا وجد بعض الخطّابات اللاتي يمتلكن عدداً من ألبومات الصور لعشرات الفتيات ممن هن مؤهلات للزواج، وأصبحت الخطّابة تتقاضى مكافأة مالية من الطرفين. وهذا الامتلاك للصور أصبح من أكبر العوامل التي مكنت النساء من السيطرة على هذا المجال، ذلك أن بعض الأسر قد لا تمانع في الغالب من إعطاء صورة فتاتها للمرأة الخطّابة، في الوقت الذي لا تسمح به مطلقا للرجل الخطّاب. ولا يفهم من ذلك أن الخطّابة يمكن أن تعرض كل ما لديها من الصور للرجل الذي يبحث عن زوجة، ولكنها قد تعرضها لأسرته على سبيل المثال. ومما تجدر إشارة إليه أنه بدأ في الآونة الأخيرة دخول عدد من النساء غير السعوديات هذا المجال (الخطّابة)، بخاصة في المدن الكبرى. وفي السنوات الأخيرة حدث تطور نوعي لدى بعض الخطّابين الرجال وهو التفرغ، لهذه المهمة وافتتاح مكاتب مستقلة تمارس هذه المهمة. وهناك قوائم متداولة الآن بين الناس تحوي أرقام جوالات عدد من الخطّابين -وهم الأقل عدداً- والخطّابات، والملاحظ أنها لا تكون بالاسم الكامل، بل بالكنية (أم فلان، وأبو فلان) إلا ما ندر، ورقم الجوال، ونوع الزواج الذي يُقدم على النحو الآتي: (عادي - مسيار - تعدد).
د) عملية الاختيار للزواج (الخِطبة) عن طريق مشاريع الزواج:
نشأت هذه المشروعات جراء الحاجة لمساعدة الآخرين في عملية (الخِطبة)، خاصة في المدن الكبرى التي قد لا يهتدي الباحثون، والباحثات عن الزواج إلى بعضهما البعض إلا بهذه الوسيلة. والغالب أن عمل هذه المشاريع والجمعيات يتصف بالسرية الكبيرة، والخصوصية بدرجة عالية، في تعاملاتها، وبخاصة من كان لديه قسم نسوي يتعامل مع الراغبات في الزواج. وقد بدأ العديد من هذه المشاريع بتطوير أعماله وإدخال الحاسب الآلي للمساعدة في تنظيم العمل وميكنة عملية البحث والتوفيق، والدلالة.
وبعض هذه المشروعات لا تأخذ أي رسوم مادية مقابل هذه الخدمات التي تقوم بها، وبعضها الآخر يشترط دفع (500 ريال) يعتبرونها مصاريف إدارية، ومن وجهة نظر القائمين على هذه المشاريع أن هذه الرسوم قد تعمل على ضبط العملية بحيث لا يُقبل على المشروع إلا الجاد. وجميع هذه المشروعات والجمعيات تؤكد إخلاء مسؤوليتها عما يستتبع الزواج، وتعلن للمتقدمين ابتداءً أن دورها يقتصر فقط على الدلالة وليس لهم دور في السؤال عن المتقدم أو تزكيته، بل تترك هذه المهمة ليقوم بها كل طرف، فدورهم يقتصر على التعريف بالطرف المتوافق مع رغبات الطرف الآخر فحسب.
ه) عملية الاختيار للزواج (الخِطبة) عن طريق مواقع الإنترنت:
وهذه الوسيلة ظهرت في السنوات الخمس الماضية، وبدأت تنتشر بشكل موسع وبأشكال متعددة وبتوجهات متباينة، فهناك عشرات المواقع التي تدعي حسن النية وحل مشكلة العنوسة والوصول إلى الأسرة السعيدة عبر التعارف من خلال شبكة الإنترنت، فتوجد الآن مواقع إلكترونية تعلن بشكل لافت للنظر عن عدد من الفتيات السعوديات الراغبات في الزواج، كما أن هناك موقعاً خاصاً بالسعوديين فقط. فما على الراغب في الزواج إلاّ ذكر المواصفات التي يريدها، حيث يعمل الموقع على التوفيق بين الرجل والمرأة خلال فترة زمنية محددة مقابل رسوم أتعاب قد تصل إلى مائة دولار أمريكي.
إن الناظر في مواقع الزواج على شبكة الإنترنت يلاحظ أن لها أشكالاً متعددة، فمنها ما هو تجاري هدفه تحقيق الربح من خلال الإعلانات التجارية، لأن الذين يرتادون الموقع يقدر عددهم بالآلاف. والمطلوب من الشخص الراغب في الزواج أن يملأ استمارة البيانات الشخصية، بعضها خاص بالذكور وبعضها بالإناث ويتم نشر البيانات والصور المرفقة عبر تلك المواقع ليتلقفها الراغب أو الراغبة في الزواج، حيث يتم التعارف عبر تلك الشبكة عن طريق المراسلة أو الهاتف وبعد أن يتم توثيق العلاقة يتم اللقاء بين الطرفين عن طريق الأهل أو بدونه ليتم الزواج، وحرصاً من بعض المواقع على عدم التشهير بالمشتركين تنشر فقط مواصفات المشتركين وتحجب الاسم والعنوان.
ومما يلاحظ من نتائج إحدى الدراسات التي رصدت مرتادي أحد هذه المواقع أنهم يتركزون في سكناهم في المدن الرئيسية (الرياض، جدة، الدمام) بنسبة بلغت أكثر من (60%) من بين مدن المملكة الأخرى.
و) عملية الاختيار للزواج (الخِطبة) عن طريق القنوات الفضائية:
وهذا النوع من طرق عملية (الخِطبة) بدأ في بعض القنوات ذات الطابع الأسري، ثم انتقل الأمر إلى التخصص ووجد قنوات خاصة بهذا الأمر، وأخذ في الانتشار بعد التوسع الكبير في البث الفضائي، وسهولته، وقلة تكاليفه المادية بالنسبة لهذه القنوات التي لا يقدم فيها أي برنامج، وإنما مجموعة من الأشرطة المكتوبة المعتمدة على خدمة الرسائل النصية المرسلة من خلال الجوالات، أو مجموعة من اللوحات الإعلانية الثابتة التي لا تحمل أي تقنية مكلفة، ولقد وفرت هذه العوامل التقنية المتواضعة نسبيا، سوقاً رائجة لها فضلاً عن المكاسب المادية التي تحققها جراء الرسوم على الرسائل النصية، لدرجة أن بعض هذه القنوات تمّ تشفيره بحيث لا يمكن التواصل معه إلا من خلال شراء كروت مدفوعة الثمن مسبقا، أو اشتراك مسبق.
فمن خلال الأشرطة المعروضة في هذه القنوات يتمّ الترويج لمن يرغب الزواج من الجنسيين، وتتباين طريقة كل قناة من حيث الخصوصية، فبعضها يمكن للمشاهد التواصل المباشر مع الطرف الآخر من خلال عرض رقم جواله أو البريد الإلكتروني، وبعضها يتعامل مع الراغبين من خلال مسؤولي القناة باعتبارها وسيطاً، فلا يكون ثمة اتصال إلا من خلال مسؤولي القناة فقط. والطريقة الأولى التي تعتمد على التواصل المباشر بين الطرفين تجعل الأمر يثير الشكوك وكأنها وسيلة للتعارف غير الشرعي والتواصل خارج السبب الذي من أجله تدعي القناة أنها تعمل لأجله، وبخاصة أن مثل هذه القنوات لا يمكن الاطلاع عليها، إلا من خلال البطاقات المدفوعة الثمن، مما يثير الريبة الأخلاقية عليها بالفعل.
مستقبل عملية الاختيار للزواج (الخِطبة) في المجتمع السعودي
مما ينبغي الإشارة إليه قبل مناقشة مستقبل عملية الاختيار للزواج (الخِطبة) في المجتمع السعودي، والشكل المستقبلي المتوقع أن تنتهي إليه، وتحديد الأنسب مع واقع المجتمع هو التقدمة بالقول إن المجتمع السعودي يعيش أزمة في العلاقات البينية بين أفراد الأسرة الكبيرة، وبين الجيران، وبخاصة في المدن الكبرى، ومن آثاره الملموسة تقطع العلاقات البينية بين أفراد الأسرة الكبيرة (الأخوال، والخالات، والأعمام، والعمات) إلا في المناسبات الكبيرة (الأفراح - الأعياد)، وكذلك تقطعها بين الجيران في الحي الواحد، وليس هذا فحسب، بل حتى مع وجود تلك العلاقات فالمعرفة غالبا ما تكون سطحية، ولم تعد بالحميمية التي كانت سابقا، والتي كانت تتضمن معرفة التفاصيل عن أفراد الأسرة، وهذا الوضع الاجتماعي الجديد استتبع التطور العمراني والتحضر الذي أصاب الكثير من المدن السعودية.
لقد أصبحت فرص التقاء العوائل محدودة جداً نتج عنه، ضعف التعرف على الفتيات اللواتي وصلن إلى سن الزواج، فضلاً عن التعرف على أوصافهن، وسلوكهن، وأخلاقهن. فأصبح هناك جهالة حقيقية بواقع الفتيات، وهذا بطبيعة الحال يكثر في بعض المناطق، وبخاصة المدن التي أصابها النصيب الأكبر من التحضر العمراني. ويزداد الأمر سوءاً عندما تهاجر الأسرة من موطنها الأصلي إلى المنطقة الحضرية وإقامتها فيها لفترة طويلة مما يعني انقطاع الأسرة عن موطنها الأصلي، وعدم التداخل الاجتماعي بين أفراد المنطقة الحضرية الجديدة.
وبعد هذه المقدمة يمكن القول: إن عملية (الخِطبة) عن طريق الأسرة هي الأساس في المجتمع السعودي، على الرغم من وجود وسائل أخرى، فالغلبة في وقتنا الحاضر للاختيار الأسري بشكل كبير لاعتبارات عدة، ويؤكد هذا بعض الدراسات التي أُجريت على المجتمع السعودي وتبين من نتائجها أن (79.7%) من أفراد العينة كانت الدلالة على الزوجة عن طريق الأسرة.
إن لذلك الأسلوب في (الخِطبة) أي الزواج عن طريق الأسرة إيجابيات عديدة. ولا يعني هذا أن ذلك الأسلوب لا يوجد فيه بعض السلبيات، ذلك أن المواصفات التي ينشدها الشاب، يتمّ تحقيقها من خلال مقاييس الأسرة وليس بمقاييسه هو، بمعنى عندما يطلب أن تكون الفتاة ذات دين أو خلق فمقياس الدين، أو الخلق يختلف لدى الشاب عنه لدى أمه أو أخته التي باشرت رؤية الفتاة بنفسها، وهذا مما يوجد ما يسمى بصدمة التوقع بعد إتمام مراسم الزواج.
وهذه الصورة الاجتماعية الأسرية المعقدة في عملية (الخِطبة) في المجتمع السعودي في ظل التغيرات الاجتماعية والحضارية، تفسر وبجلاء حرص الكثير من الأمهات على حضور المناسبات التجمُعية للنساء وحرصهن على اصطحاب بناتهن معهن، وبخاصة إلى حفلات الزواج، حيث الفرصة متاحة لترى النساء بناتها، في أبهى صورها، وبخاصة أنه مشتهر أن البعض ممن يحضرن مثل هذه التجمعات النسائية يهدفن إلى البحث عن فتيات مناسبات للزواج لأبنائها، أو من الخطابات اللواتي تخصصن في هذه المهنة.
إنه على الرغم من الإيجابيات المتحصلة من الخطّابين والخطّابات للدلالة على الفتيات الراغبات في الزواج في بعض المناطق، إلا أن مكمن الإشكالية يتأتى من كون العملية غير منظمة ولا يُعرف من الذي يعمل بصدق، وسرية، وأمانة. ممن يخالف كل ذلك، فلقد كانت تلك الصفات الإيجابية متوفرة سابقا حين كانت العملية احتسابية، ولم يكن ثمة شروط مادية تُطلب من قبل الخطّابين والخطّابات، فكل ما في الأمر أن الخطّاب أو الخطّابة قد يأخذ ما يعطى لها على سبيل الهدية ليس إلا.
أما ما يتعلق بمشاريع الزواج والجمعيات الخيرية التي تقدم خدمة (التوفيق) أو (الدلالة) فهي في صورتها الحالية، تعد بمثابة تطور نوعي وتنظيمي لمهنة الخطّابين والخطّابات السابقة، وفق ظروف المجتمع والتغيرات التي يمرّ بها، فهي محاولة لتنظيم هذا الأمر، وعلى الرغم من أن هذه المشاريع أكثر موثوقية، ومصداقية بحكم عملها الاحتسابي وعدم تقاضيها لأي مبالغ مالية كبيرة من المستفيدين، إلا أن الإقبال عليها بقى محدوداً قياساً على الإقبال على الخطّابين والخطّابات، ويتوقع أن يستمر ذلك الضعف ما لم تتغير هي من الداخل، والذي يظهر أن السبب في ضعف الإقبال يعود إلى عدد من الأسباب، ومن ذلك كون هذه المشاريع جديدة على الساحة الاجتماعية، وضعف انتشار المشاريع جغرافياً وقلة عددها. إضافة إلى ضعف الانتشار الإعلامي، ثم إن الغالبية العظمى من القائمين على هذه المشاريع من العنصر الرجالي، وهذا يُضعف عملية التواصل من قبل أمهات الفتيات الراغبات في إدراج فتياتهن ضمن قوائم المشروع.
ومن المتوقع أن هذه المشاريع، إن استمرت بهذا المستوى، في عملية (الخِطبة) فأنها ستكون عاملاً أساساً لتنامي ظاهر الخطّابين والخطّابات مستقبلا وليس هذا فحسب، بل يتوقع أن يكون هذا التنامي للخطّابين والخطّابات بشكل عشوائي، ومتفلّت من العديد من الأخلاقيات الاجتماعية، والأعراف المجتمعية، والضوابط الإدارية، وبخاصة في ظل الحاجة الماسة لهذه الخدمة في المدن الكبرى في المملكة. ومن ثم دخول من يسيء لهذه المهنة، أو يستغلها في مآرب أخرى.
أما ما يتعلق بعملية (الخِطبة) عن طريق الإنترنت، فمن المتوقع ألا يكون لها رواجا حقيقيا، وسوف ينحسر دورها تدريجيا، ذلك أنها لا تزال وسيلة غير مقبولة اجتماعية على الرغم من تزايد إعداد المواقع وأعداد مرتاديها وذلك عائد إلى عدد من الأسباب، وأبرزها: ضعف المصداقية في المعلومات، وإمكانية الخداع والتحايل فيها، وبالتالي ضعف المصداقية، والقبول الاجتماعي لها بالنسبة للأسر السعودية الجادة.
أما عملية (الخِطبة) عبر القنوات الفضائية فمن المؤكد أن دورها في عملية اختيار الشريك (الخِطبة) تحديدا سينتهي قريبا، إذا استمرت في واقعها الحالي وأسلوبها، وهو عرض المواصفات للراغبين والراغبات، مع أرقام الجوالات ومن يرغب فليتصل من شاء بمن شاء!. والمقصود ليس بقاء القناة نفسها، بل في اعتقادي أن هذه القنوات -وللأسف- ستتوسع وتبتكر أساليب جديدة مثل عرض الصور، ولكن لهدف آخر غير التعارف للزواج، وحتى مع إحسان الظن فإن صورة المرأة التي تعرض نفسها وتتعرف على الزوج بهذه الطريقة، ستكون غير جيدة لدى الشباب، وهذا يؤدي إلى الشك بين الزوجين مستقبلا، لأن واقع حاله ولسانه يقول: بأن الفتاة التي سمحت لنفسها أن تبني علاقة مع شاب عن طريق الفضائيات تظل موقع شك عند زوجها، مع إمكانية خيانتها له بنفس الطريقة التي تعرفت بها عليه.
ومما ذكر سابقا فالأمر يستدعي طرح البدائل المناسبة لعملية الاختيار للزواج (الخِطبة) في المجتمع السعودي التي تراعي التغيرات الاجتماعية، والاقتصادية، والحضارية التي أصابت المجتمع، إضافة إلى أخذها بالاعتبار العادات والتقاليد في المجتمع ويكون ذلك عبر مسارين اثنين:
المسار الأول:
التوسع الكبير في مشاريع الزواج التي تقوم ببرامج (التوفيق) و(الدلالة). وبخاصة أنها تمتلك مقومات النجاح، ومنها أن جميع أعمالها تطوعية، أو قريبة منه، وهذا يبعد عنها تهمة العمل لأجل الكسب المادي كما هو موجود لدى بعض الخطّابين والخطّابات. إضافة إلى الصفة شبه الرسمية لهذا المشاريع، مما يضفي عليها شيئا من الثقة والمصداقية في الأعمال التي تقوم بها. إضافة إلى أن التعامل مع جهة ما أفضل من التعامل مع شخص محدد بعينة.
المسار الثاني:
الترخيص الرسمي لبعض الخطّابين والخطّابات، الذين ثبت جديتهم وأمانتهم، وحصولهم على تزكية من جهات موثوقة أو وجهاء معتبرين في البلد من العلماء أو غيرهم ولا يغني ذلك عن وضع ضوابط إدارية، وأخلاقية، واجتماعية لممارسة تلك المهنة، فالأمر من الخطورة بمكان بحيث يستدعي عدم تركها بهذا الشكل الاجتهادي القائم الآن.
والله الموفق..
- الوكيل المساعد بوزارة الشؤون الاجتماعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.