انتشر مقطع دعائي لإحدى الشركات انتشاراً فيروسياً. كانت فكرة المقطع توظيف وجود حرف العين في كلمة عرب وعروبة ترويجاً لمنتج، ولكن البعض رأى أن المشكلة فيما رافق ذلك مما لا يمت للعروبة بشيء. مقطع توشح الغرابة، ومثّلَ الشرق والغرب والإنس والجن وكل شيء عدا العروبة. غاص في غياهب الغموض، فقط ليَخرج بمحاولة تأطير العين. عفواً ف الغرابة لا تبدأ بالعين، ولا العروبة تبدأ بالغين! يجهل الكثير أن لأصوات الحروف العربية معاني وإيحاءات بليغة، ويعلم ذلك البعض. تتضح في كثير من الكلمات معاني تلك الأصوات عياناً بياناً، وتغيب في البعض الآخر، لأسباب كثيرة منها موقع الحرف، وقوته، وقوة الحروف الأخرى في نفس الكلمة. يصدر صوت حرف العين من وسط الحلق كما الحاء، فكان من أعمق أصوات الحروف مخرجاً، فانعكس ذلك عليه معنى، فهو للعمق والأصل. وبسبب كونه مصمتاً، كان فيه من الوضوح صوتاً ومعنى أيضاً. لذلك لم يقُم عالم باللسان العربي مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي باختيار حرف العين اسماً لكتابه من باب الصدفة، ولا من نافذة الاعتباط. تجده في كلمات لها مدلولات الأصالة والوضوح مثل: علو، عِلم، عَلَم – وهو الجبل، عادة، عُرف، عمق، عراقة. والأهم من كل ذلك كلمة مثل عرب ومشتقاتها ككلمة عروبة؛ التي تعني البيان والوضوح ولذلك قال تعالى: “بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ “. والإعراب في النحو الإبانة، فيقال مثلاً (أعرب المتحدث عن شكره للجهة….) أي أوضح وأبان. وكلمة عين كلمة خاصة لأنها تعني أصل الشيء، فيقال عين الحقيقة، وهي ثاني حرف في كلمة فعل، المستخدم لكل فعل ووزن، وهي اسم الحرف (ع). على النقيض من معنى حرف العين يكون معنى حرف الغين. ذلك بسبب طريقة النطق بصوته وما فيها من عمق يصاحبه صوت غريب غائب غائص. فكان في كلمات يمثل معناه فيها، وإليك بعض الأمثلة: غرابة، غوغائية، غموض، غاب، غاص، غاض، غار، غبن، غدا، غرب، غرق، غرز، غرس، غرف، أغمد. فالعين للبيان والوضوح، والغين للغياب والغموض. ولا يمكن أن يستخدم أحدهما مكان الآخر. وما بين عروبة العين وغرابة الغين نقطة، وأظنها لم تكن سوى نقطة سوداء على صفحة بيضاء.