صرح مصدر مسؤول…جملة قرأتها في متن تقرير صحفي منشور بإحدى الصحف الإلكترونية عن مستقبل العمل الخيري بالمملكة، ولما قرأت تفاصيل التقرير، وجدت أن التصريح على لساني، فانزعجت من جراء ذلك، لأني لم أتفوه بثمة كلمة مما نشر، وبرغم عدم أهمية الموضوع أمسكت بهاتفي واتصلت على الفور برئيس تحرير الصحيفة، والذي تربطني به علاقة قديمة، وسألته عن الصحفي الذي أعد التقرير، ونشر على لساني ما لم أُصرح به! صمت صديقي برهة، وقال لي: أعتذر بشدة عما نشر، وسيتم تصحيحه على الفور على موقع الصحيفة وحساب تويتر، وأنهيت المهاتفة معه بوعدي له بزيارته آخر الأسبوع في مكتبه، ولا أخفي سراً بأني قبلت دعوته هذه، لعلي أتقابل مع الصحفي الذي ينشر على لسان مصادره ما لم يصرحوا به. صدفت زيارتي له وجوده في اجتماع مع محرري صحيفته، والذي قطعه وقام باستقبالي بنفسه، وأخذ بيدي لمقعد بجواره في صالة التحرير وسط محرريه، واستكمل فعاليات اجتماعه، والذي أصبح بمثابة محاضرة عن ضرورة تحري الصدق والالتزام بالمصداقية، ولا أدري حتى الآن أهو اجتماع تحرير أسبوعي معتاد، أم هو تعمد الاجتماع بصحفييه في ذلك اليوم لتلقينهم هذا الدرس؟! صمام أمان أي إعلامي مع جمهوره هو صدقه ومصداقيته على طول الخط، فالمصداقية هي درجة الثقة التي يوليها الجمهور للمعلومات الواردة إليهم عبر وسائل الإعلام، وإدراكهم بأن هذه المعلومات هي انعكاس حقيقي للأحداث والأخبار التي يتم تقديمها أو نشرها… هذه فقط كانت مداخلتي الأولى في هذا الاجتماع الذي صادف زيارتي لصديقي في مقر صحيفته. صِدق الإعلامي ودقته في نقل المعلومة من أهم سمات العمل الإعلامي، وهي التي ترسم ملامح الإعلامي المهني القادر على إيضاح الصورة، وخاصة إذا ما كانت تتعلق بعمل سامٍ هو العمل الخيري، وألمح صديقي بطرف عينه لي نحو الصحفي الذي صرح على لساني بما لم أقل، في تقريره الصحفي الذي أشرت إليه في بداية مقالي. صوبت مداخلتي الثانية كالسهم نحو هذا الصحفي الذي بادر بالاعتذار لي على سوء تصرفه، قائلاً له إن تحري الصدق ومحاولة التيقن من الخبر ونقل الحقيقة دون غيرها، واجب على كل صحفي وإعلامي، وخاصة إذا كان في بداية مشواره المهني، فالالتزام بمعايير المصداقية هو أحد أهم دوافع البداية، بل والاستمرار في العمل الإعلامي، والصدق هو الأساس للكثير من الأخلاقيات التي تقوم عليها هذه المهنة، ولك أن تعلم أن معظم الدراسات الحديثة في مجال الإعلام تشير إلى الارتباط الوثيق والمتبادل بين اعتماد الجمهور على وسيلة إعلامية معينة كمصدر لاستقاء المعلومات والأخبار عن القضايا والمشكلات المثارة من حوله، ومدى ثقتها أو درجة مصداقيتها لديه، وأنا وغيري سأفقد هذه الثقة مع صحيفتكم إذا ما تكرر هذا الأمر. أصغى إليَّ الجميع باهتمام بالغ في ختام الاجتماع الذي اختتمته بأن الإعلامي الصادق هو مَن يثق به جمهوره ويستمع إليه ليكون مرجعاً لأي خبر يراد التأكّد منه، وهذا لا يأتي من فراغ، بل من عمل نابع من مفهوم الإعلامي لطبيعة العمل الذي يقوم به، وأساسياته وأخلاقياته، فإن الصدق وتتبع الحقائق والوقائع والالتزام بروايتها كما وقعت هي الضمانة الأساسية للفوز بثقة الناس، فالإعلامي الصادق هو صانع الحقيقة لمهنة من المفترض ألا تنقل إلا الحقيقة.