-الطبيبة: جزء من مرضك له علاقة بعدم القدرة على الراحة وكل ما تحتاجه هو المزيد من النوم ليلاً لتتخلص من ضجيج الأفكار، سأوصي لك ببعض الحبوب. – السجين: لا أحتاج للنوم أيتها الطبيبة. – الطبيبة: ما الذي تحتاجه إذن ياموخيكا؟ – السجين: أحتاج أن أتوقف عن التفكير! -الطبيبة: ما هو الأمر الذي سيساعدك في ذلك برأيك؟ – السجين: أحتاج أن أستخدم يدي في تنظيم عقلي، أن أكتب وأقرأ. – الطبيبة: أن تكتب وتقرأ! جيد إذن سأجعلهم يرسلون لك شيئاً تقرؤه وورقة وقلماً لتكتب. – السجين: هل تعلمين أني لم أقرأ منذ سبع سنوات! – يقولها بألم – – الطبيبة: لا تقلق سأوصي لك بالكتب، وستعود للقراءة، لكن لا تفكر بما ليس في استطاعتك، فقط تشبث بما تستطيعه يا خوسيه، كن قوياً وانج من هذه الأفكار. – السجين يحبس دمعته، ويومئ برأسه موافقاً. وتأتي هذه الإيماءة لتختم المشهد الغريب، فلم يكن السجين شخصاً عادياً، لقد كان خوسيه موخيكا الذي اعتقل عام 1971م وبقي في السجن 14 عاماً ليخرج ويصبح رئيساً استثنائياً لدولة الأوروغواي فيما بين عامي 2010 و2015 ميلادياً، ليلقب حينها بأفقر رئيس دولة في العالم لتبرعه ب 90% من راتبه، ويقيم في منزل زوجته البسيط ويركب سيارة موديل 1987م، بل إنه طلب من الجهات الرسمية حينها فتح القصر الرئاسي لإيواء المشردين في حال لم تكف مراكز الإيواء! هذا الرجل الذي أدهش العالم، كاد أن يفقد عقله في فترة من حياته بسبب فوضى الأفكار، وشكلت له الكتابة والقراءة طوقاً نجاة من الجنون، ولم يكن موخيكا وحده من تنبه لخطر هذه المشكلة، بل ثمة أشخاص كثر يعرفون مدى سيطرة هذه الحالة عليهم وتأثيرها المدمر على حياتهم. والحقيقة أني لم أكن على علم بخطر (فوضى الأفكار)، حتى مر بي موقف مع إحدى المتدربات، إذ أني في أحد الأيام قدمت دورة عن الكتابة وكعادتي سألت المتدربات عن السبب الذي دفعهم لحضور دورة كهذه؟ فجاءت الإجابة الغريبة من إحداهن قائلة: فرط التفكير! تعجبت من ردها، فأنا أعرف مرض (فرط الحركة) لكن مصطلح (فرط التفكير) كان مصطلحاً جديداً بالنسبة لي، فعدت بعد إنهاء الدورة التدريبية لأبحث عنه في محركات البحث، فوجدت أنه يعرف باسم متلازمة Overthinking ، وأن ثمة دراسة أوضحت أن 73% من الشباب بين عمر 25-35 يعانون منه، 57% من هذه النسبة هم من النساء و 43% من الرجال! فرط التفكير هو تقوقع الأفكار حول شيء معين مما قد يسبب القلق، الإجهاد، الخوف، الرهبة.. إلخ، وتزداد خطورته إذا اجتمع مع معاناة الشخص بالتشتت والتي تكون غالباً نتيجة لاستخدامه المفرط للتقنية مما يجعل الشخص بين مطرقة وسندان ينال كل منهما من صفاء باله وصحته النفسية. الدين حجر زاوية في التعامل مع متلازمة فرط التفكير بلا شك، لأنه يساعدك على مواجهة الماضي بالرضا والمستقبل بالتوكل، وتستطيع عضد هذا الإيمان بحلول نفسية عملية مساندة كالاستعانة بالكتابة والقراءة لإيقاف صخب الأفكار، وعدم تأجيل أي حل لأن التأجيل ستكون له خسائر لا تُعوَّض، خاصة إذا ما علمت أن هذه المتلازمة غالباً ما تصيب الأذكياء والعظماء. [email protected] Twit: @hindamer