إن كان مصطلح "البيبليوثيرابي" غريبا علينا فإنه طريقة علاج جديدة يتبعها الطب في الغرب لعلاج الكثير من المتاعب النفسية التي يعاني منها الإنسان، وتقوم لا على نوع من الأدوية، بل على قائمة كتب يصفها المعالج لمرضاه. إذ اتضح أن الناس الذين يقرؤون أقل إصابة بالأمراض النفسية، وأشهرها مرض العصر الاكتئاب، والكبت بأنواعه، مع أمراض أخرى مرتبطة بالفشل في الزواج وبناء أسرة، والاندماج في الحياة بعد التخرج والقدرة على بناء مستقبل وإشكالات أخرى يقع فيها الفرد خلال معاركه اليومية مع الحياة. العيادات التي بدأت هذا العلاج في لندن وباريس وعواصم غربية أخرى، تبدأ علاج مرضاها بصالون مجهز بمكتبة، وهذا في حدّ ذاته استقبال غير عادي لمرضى يهربون من العيادات التي تعاملهم كمرضى، فالمريض النفسي في الغالب يكره اللجوء للطبيب لأنه يعتقد أنه قادر على حل مشاكله بنفسه، وأنّ ما يمر به مجرّد فوضى عابرة في حياته، وفي الغالب يمر المريض بعدة مراحل من الفوضى إلى أن يغرق تماما في شباك تكبله وتحوّله إلى شخص آخر لا يعرفه وقد يلجأ إلى إنهاء حياته انتحارا لأنه فقد السيطرة على نفسه وجرّ جسده إلى ما لا طاقة له على احتماله. يقترح الطبيب على مرضاه مجموعة من الكتب ويترك لهم حرية اختيار واحد منها، وهذا الكتاب سيكون دليلا للطبيب لفهم المريض جيدا، كما أنه سيكون الوسيلة التي توصل أفكار المريض بسهولة أكثر للطبيب. وفيما يبني الكاتب حياة كاملة لشخصيات متخيلة أو مستوحاة من الواقع دون أن يفكر في قارئ معين، فإن المريض خلال فعل القراءة يبحث عما يشبهه وعما يمكن أن يعبر عنه، وفي الغالب يشعر بالارتياح حين يجد أن مشكلته ليست فريدة من نوعها، بل هناك من يتقاسمها معه. أن تتحدث عن كتابك المفضل، أو الكتاب الذي أثر فيك فأنت تفتح باب عواطفك التي تخفيها عن الآخر، وتخبر دون حرج عن مواطن ضعفك، تُخرِج قلقك ومخاوفك دفعة واحدة وأنت تتحدث عن نص تأثرت به. غير ذلك يمكنك أن تعالج أمراضا كثيرة بنفسك، وكل ما عليك فعله هو أن تتوجه لأقرب مكتبة إليك وتختار ما يناسب ذائقتك، ثم قبل النوم افتح كتابك وابدأ بقراءته، إن كنت تعاني من الأرق فواصل القراءة حتى يسرقك النوم، إذ يبدو أن العدو اللدود للأرق هو القراءة، إن كنت مشوش الفكر ولا تجد وسيلة لتنظيم أفكارك أيضا افتح كتابا وسافر عبر أحداثه إلى عالم آخر غير عالمك المكتظ، في الحقيقة أنت بحاجة لسفر حقيقي لكن إن منعتك الظروف فالكتاب بوّابتك العجيبة للسفر حيثما تريد، وتذكر أن من نعم الله علينا تلك المخيلة الشاسعة التي لا حدود لها والتي تسكن رأسك، فلا تهدرها في أشياء لا معنى لها. يمكنك أن تعيد توازنك الذي فقدته بسبب ضغوطات كثيرة، بقراءة قصص أحببتها وأنت طفل مثلا، لا تخجل وأن تسترجع طفولتك لتجد فرحك المختلس، اذهب إلى أفراحك كلها، تلك التي ترمم ذاتك، وابدأ حالا بقراءة كتاب فهذه أول خطوة لعلاج نفسك بنفسك.