كثيرون مستعدون لأن يكتبوا عشرات التغريدات وينشروا عشرات السنابات التي يطرحون فيها آراءهم حيال قضية في الساحة أو فكرة ما، لكن حينما تعطيه ورقة وقلماً وتطلب منه إعادة كتابة فكرته بشكل مترابط في مقال أو قصة قصيرة يبدأ الارتباك، وتستمر الورقة بيضاء لأنه غير قادر على كسر الحاجز. مارشال ماكلوهان كان له عبارة شهيرة قَالَ فيها إن: (الوسيلة هي الرسالة)؛ أَي أن الرسالة التي ستكتبها ستكون رهينة أحكام الوسيلة التي ستنشرها عبرها، وكانت رؤيته التي توقعها صحيحة فها نحن نضطر لإعادة صياغة فكرة عشرات المرات لتكفيها 140 حرفاً في تويتر، أو 10 ثوانٍ في سناب شات، وها نحن نحرص أن نغرد بالموضوعات الجادة في تويتر، والمهنية في لينكد إن، واليوميات مع معلومات مبسطة في سناب، وكل ما سبق سبب آخر يؤثر على الشخص ويزيد متلازمة الورقة البيضاء. متلازمة الورقة البيضاء مصطلح متداول بين الكتاب، وأشهر من يُعَانِي منها من يشتغلون بالكتابة الإِبْدَاعية ككتابة القصص والروايات، لكنها ليست حصراً عليهم، فالبقية يعانون من نوع آخر من أنواع متلازمة الورقة البيضاء، وهو الذي يجعلهم يشعرون أن تعبئة الورقة الفارغة بمحتوى طويل ومتصل يضفي مسؤولية على الكاتب؛ وبالتالي فالعبارات والأفكار المتناثرة المعتادة تصبح فقاعات ويبقى الشخص حائراً أمام الورقة البيضاء التي يعصف بها الفراغ. الكتابة فن يستلزم أن تتعلم فيه كيف تكسر الحواجز النفسية، وتبتكر الفكرة، أو تستلهمها مما حولك، وتجيد كتابة المقدمات، وصياغة الأفكار الفرعية وربطها، وتتعنى في ابتكار الشخصيات، إن وجدت، مع إتقان ختم المكتوب بخاتمة أنيقة معبرة، وعنوان مبتكر، وهذا يحتاج لتعلم وممارسة مستمرة لا مجرد تباهٍ بأنك كاتب فذ في حين أنك مجرد كاتب جُمل مجتزأة ومقاطع متناثرة! الكتابة قلعة حصينة، مَنْ يبذل مزيد جهد ليجد مفاتيح بواباتها، ويتعرف على طرقاتها الرحبة، وبيوتها الآسرة، لن يتعافى من متلازمة الورقة البيضاء فحسب، بل سيعيش لذة تطرد الكثير مما يتركه وجع الكتمان في القلوب، وسيوقن أن القلم هبة الله لعباده، رسول أفكارهم، وترجمان بؤسهم، ودواء جراحاتهم. – – – – – – – – [email protected]