ذات مرّة، طلبت من أحد فنّيي الحاسب الذين كانوا يعملون تحت إدارتي أن يقوم بنقل أحد أجهزة الحاسب بكل ملحقاته من مكتب إلى آخر، وحين تم النقل، جاء إليّ الموظف الذي يستخدم الجهاز طالباً الموافقة على إعادة تهيئة الجهاز، وتركيب البرامج عليه مجدداً، فسألته: لم، وما الحاجة إلى ذلك؟ خصوصاً أنني من أعداء الفورمات “إعادة التهيئة”، فأفاد بأن ذلك هو قرار فني الصيانة الذي أخبره أن نظام التشغيل قد حصلت له مشكلة من جراء النقل، مما يتطلب إعادة مسح محتويات الجهاز وتركيب النظام مجدداً! وبحكم تعاملي زمناً طويلاً مع الحاسب، فإنني لم أتقبل أن يكون مجرد نقل الجهاز بضعة أمتار سبباً في تعطّل نظام التشغيل والجهاز، فذهبت للمكتب لأنظر في شأن الجهاز، وجاء فني الصيانة، فسألته فأخبرني الخبر، وقال إن علامة ذلك صوت يخرج من الحاسب بشكل منتظم ( تووت .. تووت ..) وأنه رغم كل محاولاته لإطفاء الجهاز وإعادة تشغيله بغية حل المشكلة فإن الجهاز لم يتوقف عن إصدار هذا الصوت، وأنه ليس في وسعه -والحالة هذه- إلا القيام بالفرمتة (إعادة التهيئة) فالنظام قد “ضرب” كما يقول! نظرت في الجهاز وملحقاته وكيابله، فوجدت أن الفأرة اللاسلكية (الماوس) قد وضعت فوق لوحة المفاتيح عند نقل الجهاز، وبقيت كذلك، وكان نتيجة ذلك أن أحد أزرار لوحة المفاتيح لا يزال مضغوطاً مما جعل الحاسب يصدر هذا الصوت، ويتسبب في توقف نظام التشغيل عن الإقلاع.. أخذت الفأرة، ونحيتها جانباً فانقطع الصوت تماماً، واستكمل الجهاز – من ذاته – عملية الإقلاع للنظام، ثم ظهرت علامة ويندوز على الشاشة معلنة أن الجهاز يعمل بشكل سليم، وأنه ليست هناك حاجة لأي تدخل فني أو برامجي!، وعدت إلى مكتبي، وذلك الفنيّ يتابع المشهد ولا يدري ماذا يقول. وفي مرة أخرى، حدثني أحد الأبناء عن مشكلة في سيارة العائلة، وهي أن المفتاح قد علق في مكان التشغيل، وأنه كان عاجزاً عن تشغيلها!، وأنه ظل يحاول الأمر وقتاً طويلاً، دون نتيجة، وبعد الفجر أتيت إلى السيارة متأملاً هذا الحالة الغريبة، مستعلماً عن الخطب، وباحثاً عن المشكلة ومعرفة سببها.. حاولت إخراج المفتاح فلم يخرج، حاولت التشغيل فلم تشتغل السيارة، نظرت في مقبض التغييرات (القير)، وحركته للأمام والخلف، ثم شغلت السيارة فاشتغلت، ثم أطفأتها وحاولت التشغيل أخرى، فلم تعمل، تيقنت أن هناك مشكلة ما تتعلق بذلك المقبض، نظرت إليه جيداً ووجدت أنني حين أضع السيارة في وضع ال p وهو التوقف، فإن المقبض يتوقّف قبل أن يكتمل وصوله إلى مكانه المعتاد، ونظرت فإذا “كيبل شحن للجوال” قد رُمي بجوار المقبض، فبات يعيقه عن ذلك! رميت بالكيبل جانباً فاستقر المقبض في مكانه، فحركت المفتاح لتشغيل السيارة فاشتغلت، وحركته لإطفائها فانطفأت، فجربت إخراج المفتاح فخرج بكل سهولة ويسر كالمعتاد، أعدت العملية أكثر من مرّة فلم تواجهني أية مشكلة! وفي حالة ثالثة، زارني أحد الرفاق متذمراً من وضعه في منظمته، مبدياً استياءه الكبير من أسلوب إدارة وإجراءات العمل التي تم استحداثها، وأفاد بأنه يفكر جدياً في تقديم استقالته خلال فترة وجيزة.. رغم معرفتي بدوره المهم جداً والفاعل في المنظمة.. فسألته : هل قمت بأي إجراء لإشعار الرئيس بالمشكلات التي تواجهها ممن دونه؟ هل بينت له المخاطر التي تهدد المنظمة من جراء تلك الإجراءات التي تم استحداثها؟ هل أخذت إجازة استرخائية لتفكّر في الموضوع بعيداً عن ضغوطات العمل التي تجعلك تتصرف بدون رؤية المشهد كاملاً؟ هل مطالبك واضحة ومحددة؟ فأجاب بالنفي عن كل تلك الأسئلة، ثم التفت إلي وقال: لقد وعيت الدرس، سأخبر الرئيس بكل المشكلات والتحديات التي تواجهني، وأطلب منه إجازة شهر أو أكثر، فأفكر ملياً في الأمر، ويكون لديه الوقت الكافي لتدارس الوضع والحلول بعيداً عن الحاجة للرد الفوري. ثم انصرف الرجل فرحاً جذلاناً، وقد شعر أن همّا كبيراً قد انزاح عن قلبه، وأدرك أنه لا زالت هناك طرق يسيرة لم يسلكها رغم قربها منه. فأدركت في الحالات السابقة – وفي حالات كثيرة تمرّ علينا – أن المشكلات تكون في الكثير من الأحيان أبسط مما نتوقع، وأن مسبباتها ليست دوماً بحاجة إلى تخصص دقيق، أو غوص في الأعماق، إذ تكون المسببات ظاهرة جلية يراها كل ذي عينين إذا تأمل المشكلة جيداً، وجرّب النظر في المتغيرات المحيطة، وفكّر في البدهيات. كما أدركت في الوقت ذاته أن الحلول الناجحة ليست – بالضرورة – حلولاً جذرية، ولا كبرى، وليست مرتبطة على الدوام بعمل صعب وإجراءات معقدة، أو تكلفة عالية، فهي أحياناً أقرب للمرء من شسع نعله، وفي متناول يده، لو دقق ملياً.. أعد النظر في المشكلات التي تواجهك، وتأمل بكل هدوء مسبباتها التي تتوقعها، وفكر كذلك في أيسر الحلول التي يمكنك القيام بها، فلا يوجد أي ارتباط بين صعوبة الحل، ونجاح الحل أو فشله. دمتم بخير محمد بن سعد العوشن إعلامي، مهتم بالعمل الخيري