هناك نصوص عديدة تحرم بصورة قاطعة ادعاء معرفة الغيب أو الذهاب إلى من يدعي معرفته بعالم الغد, وسؤاله, وسواء في ذلك الحالة التي يتلقى فيها السامع هذه الإجابة بالتصديق أو التكذيب أو الشك.. ومن هذه النصوص: قول الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34] ما رواه مُسْلِمٌ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَنْ أتى عَرَّافًا فَسَأَلهُ عَنْ شَئٍ لم تقْبَل لَهُ صَلاةُ أربعينَ ليلةً". ما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا، أَوْ سَاحِرًا، أَوْ كَاهِنًا فَسَأَلَهُ فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". وهذه النصوص وغيرها, تقطع بأن معرفة الغيب مما استأثر الله عز وجل بمعرفته, ولكن الحديث عن علوم المستقبل لا يدخل ضمن هذا النطاق, ولا تتنزل عليه الآية, لان علم المستقبل يبحث في دائرة الحلال البعيدة كل البعد عن كل ما عرضت له الآية الكريمة. فكل ما اشتملت عليه الآية مما استأثر الله عز وجل بمعرفته فالخوض فيه محظور, وما عداه فالمجال فيه واسع, لاسيما حينما نضع سيناريوهات مستقبلية, ونضع تصورا لكل سيناريو, وكيف نتصرف تجاهه بصورة تجلب النفع والمصلحة وتدفع الضرر عن الأمة. والأحاديث الواردة في تحريم سؤال الكاهن والعراف, فهي أيضا مما لا يصلح الاستدلال بها على تحريم علوم المستقبل والنظر في عالم الغد, إذ الكاهن والعراف ومن كان على دربهما يدعى معرفته للغيب على وجه اليقين, مما لا سبيل إلى معرفته, مستخدما وسائل وأدوات محرمة, للوصول إلى نتائج محرمة كذلك. أما الدراسات المستقبلية, فهي من حيث الأدوات تعتمد على أساليب علمية محضة لا تعلق لها بالجان, كما أنها لا تقطع بالجزم واليقين, ولكنها تضع احتمالات متعددة وتتحسب لكل احتمال منها. وعلى ذلك يمكن القول أن نطاق الدراسات المستقبلية, وأدواتها, ونتائجها, وأهدافها لا تتقاطع بأي صورة مع النصوص والآثار الواردة في تحريم الكهانة وادعاء عرفة الغيب.