تتعرض المملكة العربية السعودية لحملات تشويه مغرضة في الآونة الأخيرة بالتزامن مع أزمة اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تركيا. الحملات المغرضة كرست لها بعض الدول كل أدواتها الإعلامية والسياسية، حتى أن بعض القنوات والمواقع ووكالات الأنباء راحت تكيل الاتهامات وتشد حبال الانتقادات، أظهرت خلالها حقدها الدائم على المملكة بسبب مكانتها الإسلامية والإقليمية والعالمية، حتى أن لم يتورعوا في تقزيم دورها والتحايل على الحقائق والوقائع، بل ذهب الكثيرون من الحاقدين (شخصيات ووسائل إعلام) إلى تحويل الدور الواضح والمتجلي للجميع للمملكة إلى دور عكسي يرضي فقط رغباتهم وأحقادهم ضد المملكة. وتقف المملكة العربية السعودية أمام موجات متكررة من الإساءة عبر حملات معادية، لم يمضِ وقت طويل حتى تزول، فالحملات التي تشن ضدها تكون منظمة وتتخذ توقيتاً يستبق أو يتزامن مع أحداث إيجابية ستشهدها المملكة؛ وذلك لأهداف التشويه والإخلال بإتمام هذه الإيجابيات، وفي مراجعة لسجل هذه الحملات دائماً ما تكون مع صفقات تجارية أو تغييرات اجتماعية، ويكون المستفيد من عدم تنفيذها أو المستفيد من حدوث تغييرات فيها أحد داعمي هذه الحملات. حملات ممنهجة وبالرغم من قوة وتعدد الحملات التي تُشن، إلا أنها لم تستطع التأثير على نهج المملكة التي تحافظ على ثوابتها دون اهتزاز، ونجحت في تجاوز تلك المكايد بتوفيق الله، ومن ثم بما تتمتع به قيادتها من حكمة وقوة مواقفها التي تستمدها من بياض سجلاتها وتلاحم شعبها وقيادتها. وفي قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، نجد أن المملكة العربية السعودية اتخذت موقفاً دافعه فقْد أحد مواطنيها، على الرغم من قوة الحملة التي توجّه الاتهامات جزافاً باتجاه المملكة وشعبها، والتي تنطلق بدافع تسييس قضية سعودي مفقود في تركيا. محللون ومراقبون سياسيون أكدوا أن ما تتعرض له المملكة حاليا ليس بجديد، فعلى مر التاريخ تعرضت لحملات قوية ودائما ما يكون لها أهداف ومآرب أخرى، وتتكرر تلك الحملات في كل خطوة دولية كانت أو محلية تتخذها قيادات المملكة لا تُرضي بعد الأطراف، ويتخذون من الحدث الراهن ساترا يختبئون وراءه لإظهار أحقادهم وأمراضهم. شائعات معادية المغرضون أطلقوا عديد الشائعات في قضية اختفاء الصحفي خاشقجي، وأنجزت عديد وسائل الإعلام وراء تلك الشائعات وارتكبت سقطات مهنية لا تغتفر، البعض زعم أن السعودية متورطة في قتل أحد أبنائها وتقطيع جثته، فيما زعم آخرون أن المملكة في ورطة وتبحث عن مخرج من الأزمة بعد أن تم تصفية خاشقجي داخل القنصلية السعودية في تركيا، وهو ما نفته المملكة جملة وتفصيلا وطلبت انتظار إتمام التحقيقات التي تتطلب كثير من الوقت لصعوبة الحدث وغموضه واشتراك أطراف عديدة فيه. أحد أعرق وأقدم وكالات الأنباء العالمية نقلت عن موقع مضلل أن المملكة بدأت التحقيق مع القنصل السعودي بتركيا، محمد العتيبي، بعد استدعائه إلى العاصمة الرياض، زاعمين أنه متورط في حادث اختفاء أو ربما قتل الصحفي السعودي، وهو ما نفته قيادات المملكة أيضا، مشددين على أنهم حريصون على إظهار الحقيقة كاملة ولكن وفقا لمجريات وسير التحقيق وليس بناءً على تخمينات واستنتاجات البعض. الشائعات والحملات المغرضة أخرجت وزير العدل التركي عبدالحميد غل، ليؤكد أن التحقيقات التي تجريها النيابة العامة بشأن اختفاء خاشقجي تسير بسرية، داعياً إلى تجاهل ما يدور في أوساط وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الأخرى حيال قضية “خاشقجي”، والاستناد في المعلومات إلى بيانات صادرة عن النيابة العامة. عدد من المراقبين للأوضاع السياسة والإعلامية أشاروا إلى تعرض المملكة لحملات مزيفة وشائعات كاذبة عبر التاريخ، فلا يمكن لأحد أن ينسى الحملات المغرضة التي تعرضت لها بعدما طلبت تحالفاً دولياً لتحرير دولة الكويت بعد الغزو العراقي للإساءة للمملكة، كذلك لا يمكن أن ننسى ما تعرضت له من حملات مباشرة من كل الاتجاهات بعد أحداث 11 سبتمبر وتوجيه التهمة لها، ولا يمكن أن ننسى الهجوم عليها حين كانت تموّل المراكز الإسلامية والدعوية والمساجد بحكم أنها تمول الإرهاب. المملكة تعرضت لهجوم وضغوط أمريكية بعد أن عقدت صفة سرية مع الصين لشراء السلاح وصواريخ، واستطاعت إدخالها للمملكة بكل سرية، لا يمكن أن ننسى قانون “جاستا” وكيف أبقت أمريكا هذا القانون سيفاً مسلطاً على السعودية حتى استطاعت الحصول على البراءة مؤخراً. المحللون كشفوا أن الحملات الممنهجة لا تأتي دائما من الغرب فلا يمكن تجاهل الضغوط الغربية حين وقفت السعودية مع دولة البحرين، وأرسلت حينها الدرع الخليجي لحماية البحرين من السقوط في أيدي الفرس، ولا يمكن أن ننسى كيف واجهت الضغوط العربية حين وقفت مع مصر وحمتها من السقوط ، وكيف واجهت المملكة الضغوط الدولية من أجل قضية فلسطين منذ عهد المؤسس إلى وقتنا الحاضر، أو ما يحدث في اليمن واتهام المملكة بخرق وانتهاك حقوق الإنسان. تضامن عربي الحملات المعادية ضد المملكة أتت برد فعل عكسي من الأشقاء العرب، الذين تسابقوا في دعم ومساندة المملكة ضد ما يحيق بها من مخاطر، وأعلنت حكومات ومنظمات إسلامية وعربية تضامنها ووقوفها مع المملكة ضد حملات التشويه والإساءة المزعومة على خلفية قضية الصحفي والإعلامي جمال خاشقجي. وأكدت دولة الإمارات تضامنها مع المملكة ضد كل من يحاول المساس بسياساتها وموقعها ومكانتها الإقليمية. وأكد الشيخ عبدالله بن زايد، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، تضامن دولة الإمارات التام مع المملكة العربية السعودية ضد كل من يحاول المساس بموقعها وبمكانتها الإقليمية، وأعرب عن رفض الإمارات التام لكل المحاولات التي من شأنها إلحاق الضرر بدور السعودية الأساسي في إرساء الأمن والسلام الإقليمي ولسمعة المملكة العربية والإسلامية والدولية. وأعرب عن تقديره العميق للمكانة الرفيعة التي تتمتع بها السعودية وقيادتها، مثمناً موقعها كقوة رئيسية لضمان أمن واستقرار العالمين العربي والإسلامي والمنطقة برمتها، وأشاد بدورها الإيجابي بكل ما تقوم به من مبادرات وما تتبناه من سياسات بناءة تساهم في تعزيز الأمن والتنمية على الصعيدين الإقليمي والدولي. وفي الأردن، أكدت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام الناطقة الرسمية باسم الحكومة الأردنية، جمانة غنيمات، مركزية جهود المملكة العربية السعودية ودورها القيادي والرئيسي في ترسيخ الأمن والاستقرار والسلام وتعزيز التعاون الاقتصادي في المنطقة والعالم. وأكدت الوزيرة أن الأردن يقف مع المملكة العربية السعودية في مواجهة أية شائعات وحملات تستهدفها دون الاستناد إلى الحقائق. وفي فلسطين، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تقديره "للمواقف الثابتة للمملكة العربية السعودية، التي وقفت وتقف دوماً إلى جانب قضيتنا العادلة، وحقوق شعبنا الثابتة". وعبر عباس عن ثقته المطلقة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، وعلى رأسها الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، مؤكداً أن فلسطين كانت وما زالت وستبقى إلى جانب المملكة. وفي اليمن، أكدت الجمهورية اليمنية "وقوفها وتضامنها التام مع المملكة العربية السعودية الشقيقة ضد كل من يحاول النيل منها أو الإساءة إليها". وأعلنت رفضها الكامل لأي محاولة للمساس بسيادة السعودية ومكانتها. وقال بيان صادر اليوم عن رئاسة الجمهورية، إن "المملكة العربية السعودية تتعرض اليوم لسهام كيدية ومغرضة نتيجة لمواقفها المشرفة والصادقة مع قضايا الأمة العربية والإسلامية وأدوارها الريادية في استقرار المنطقة والعالم، وفي مقدمة ذلك دورها في مكافحة المد الفارسي والإرهاب والتطرف بكل أشكاله". وأضاف البيان أن "الاستهداف الإعلامي والسياسي الرخيص الذي تتعرض له المملكة العربية السعودية لن يثنيها عن مواصلة دورها الريادي والقيادي للأمة العربية والإسلامية ومواجهة كل الأخطار التي تحدق بهما". الجامعة العربية، أعلنت موقفا صريحا رافضا التلويح بعقوبات ضد السعودية، مؤكدة أنه من المرفوض تماماً في إطار العلاقات بين الدول التلويح باستخدام العقوبات الاقتصادية كسياسة أو أداة لتحقيق أهداف سياسية أو أحادية. بدورها، رحبت منظمة التعاون الإسلامي بتصريح المصدر السعودي المسؤول الذي أكد في وقت سابق، رفض المملكة التام "لأي تهديدات ومحاولات للنيل منها سواء عبر التلويح بفرض عقوبات اقتصادية، أو استخدام الضغوط السياسية، أو ترديد الاتهامات الزائفة التي لن تنال من المملكة ومواقفها الراسخة ومكانتها العربية والإسلامية والدولية". وقال الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، الدكتور يوسف العثيمين: "إن مكانة المملكة العربية السعودية ومحوريتها في العلاقات الدولية تجعلها فوق الشبهات التي يروج لها الإعلام المغرض الذي يستهدف أمنها واستقرارها ومنجزاتها ومسيرتها الإصلاحية". وأكد العثيمين أن السعودية عضو مؤسس في المنظمة وذات سيادة، وتحظى بمكانة مرموقة في محيطها الإسلامي، وتتمتع بتقدير خاص من أكثر من مليار ونصف مسلم حول العالم. كما رفضت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي أي تهديدات أو تلويح بها ضد المملكة أو أي دولة عضو في المنظمة، مؤكدة أنها تقف مع السعودية، دولة المقر، في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية سمعتها وأمنها الوطني. من جهته استنكر، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبداللطيف الزياني، الحملة الإعلامية التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية، وقال الزياني إن ما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام العربية والدولية هو اتهامات زائفة وادعاءات باطلة لا تستند إلى حقائق وتهدف إلى الإساءة إلى المملكة العربية السعودية. ونبه إلى أن بعض وسائل الإعلام انتهكت مبادئ مواثيق الشرف الإعلامية، وخرجت عن المهنية والموضوعية، وصارت تبث الأكاذيب وتزيف الحقائق لأهداف سياسية مكشوفة، مؤكداً أن المملكة حافظت دائماً على تقاليدها الراسخة مراعية للأنظمة والأعراف والمواثيق الدولية. وأكد أن المملكة برهنت على حرصها على كشف حقيقة اختفاء خاشقجي بوصفه مواطناً من مواطنيها، ولم تتردد في طلب تشكيل لجنة تحقيق مشتركة مع الجانب التركي لكشف ملابسات القضية بكل شفافية. دعم المواطنين دعم المملكة ضد المغرضين والحاقدين لم يقف عند حد الدول والمؤسسات والمنظمات العربية والإسلامية، بل ظهر جليا في دعم المواطنين السعوديين أنفسهم للمملكة وقياداتها ومواقفها الحاسمة. المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام التابع لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، أجرى مؤخرا استطلاعاً لآراء المواطنين حول الحملات الإعلامية الموجهة ضد المملكة، وتبين أن 96% من السعوديين يؤيدون قرارات بلادهم ضد هذه الحملات. وشارك في الاستطلاع عينة عشوائية بلغت 1010 مواطنين من مختلف مناطق المملكة، مثّلت نسبة الذكور فيهم 59%، وذلك على مدار 24 ساعة عبر منهجية علمية اعتمدت على المقابلة الهاتفية المباشرة مع المشاركين في الاستطلاع. وكشفت النتائج أن 96% من المواطنين يؤيدون موقف المملكة العربية السعودية من الحملات الإعلامية الموجهة ضدها، ورأى 77% من المشاركين أن مستوى تفاعل المواطن السعودي في وسائل التواصل الاجتماعي مع الحملات الإعلامية الموجهة ضد المملكة “ممتاز”، فيما رأى 15% أنه “جيد”، بينما اعتبر 3% فقط أن التفاعل “ضعيف”، فيما أكد البعض أن المملكة تكتفي بالردود الرسمية الصادرة من الجهات المختصة وأن تفاعلها وردها على وسائل التواصل الاجتماعي ينتقص منها ولا يضيف. متانة الاقتصاد لم يكن الجانب الاقتصادي للمملكة بمنأى عن الحملات المغرضة والساعية لإضرار سمعة السعودية اقتصاديا وسياسيا، وكرس البعض جهوده لإسقاط مؤتمر “مستقبل الاستثمار السعودي” استغلالا لاختفاء جمال خاشقجي. وسلطت وسائل إعلامية تمتلكها دول لا تربطها بالمملكة أي علاقات سياسية أو اقتصادية على انسحاب بعض البنوك والشركات الأجنبية من مؤتمر “مستقبل الاستثمار” المقرر انعقاده بالرياض خلال أيام، فيما أكد منظمو المؤتمر السعودي إن المؤتمر سيمضي قدما كما هو مخطط له للانعقاد في الشهر الجاري رغم الانسحاب “المخيب للآمال” لبعض المتحدثين والشركاء، ولكن تزال العديد من كبريات المؤسسات والشركات والبنوك العالمية تؤكد حرصها على حضور فعاليات المؤتمر الدولي. وقال متحدث باسم مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار السعودي في بيان: “في حين أنه من المخيب للآمال انسحاب بعض المتحدثين والشركاء، فإننا نتطلع قدما إلى الترحيب بآلاف المتحدثين ومديري الجلسات والضيوف من كل أنحاء العالم في الرياض في الفترة من 23-25 أكتوبر”. اقتصاد المملكة المصدر الأول للبترول في العالم والذي يحظى دائما بتوقعات إيجابية من جل مؤسسات التقييم الدولية لم يهتز جراء تلك الحملات المنظمة للنيل من استقراره وسمعته، ويظهر ذلك جليا في توقعات صندوق النقد الدولي الإيجابية عن معدلات النمو وحركة الاستثمار والعلاقات التجارية المتميزة التي تتمتع بها المملكة مع عديد البلدان. بدورها أكدت وكالة موديز التصنيف الائتماني للمملكة على A1 مع نظرة مستقبلية مستقرة. ورفعت توقعاتها لحجم نمو إجمالي الناتج المحلي السعودي للفترة (2018-2019م)؛ لتصبح 2.5% و2.7% على التوالي عوضاً عن توقعاتها السابقة 1.3% و1.5% للفترة ذاتها والمسجلة في شهر أبريل من العام الجاري. وهي بذلك تتجاوز في توقعاتها الإيجابية توقعات حكومة المملكة التي أعلنتها في البيان التمهيدي لإعلان الميزانية لعام 2019م في 30 سبتمبر 2018م. وتتوقع موديز ارتفاع الإنتاج النفطي لتعزيز الاقتصاد، وكذلك تتوقع تطورات في القطاع غير النفطي ليساهم في نمو أقوى لإجمالي الناتج المحلي، حيث أشارت في مراجعتها الأخيرة إلى أن خطط تنويع اقتصاد المملكة بعيداً عن النفط من المحتمل أن تساهم في رفع النمو المتوسط والطويل الأجل بالمملكة. وأشادت موديز بالإدارة المالية للمملكة، حيث رأت أن حجم النفقات هذا العام يتماشى مع ما خطط له في الميزانية الحكومية، وتعتبر موديز ذلك إشارة إلى سعي الحكومة نحو ضبط مستويات الإنفاق طوال العام عن طريق التخطيط السليم والرقابة والضبط.