رفض أعضاء مجلس الشورى، اليوم الثلاثاء، توصية بحذف عبارة خفض معدل الخصوبة الكلي، عن طريق تشجيع المباعدة بين الولادات واستبدالها بعبارة "وتشجيع الرضاعة الطبيعية"، حيث رأى الأعضاء أن خفض معدلات الخصوبة الذي طالبت به الحكومة، وضمنته في الوثيقة السكانية للمملكة لا يعني خفض عدد الولادات، وإنما ترك مساحة زمنية بين الولادة والأخرى؛ حفاظاً على صحة الأم والمولود، من جانبه رأى أحد الأعضاء أن الوثيقة ليست ملزمة للأفراد، وإنما تركت للفرد حرية تقرير عدد مواليده. وشدد أعضاء مجلس الشورى على رفض التعديل الذي أجرته لجنة الإسكان والمياه والخدمات العامة، بشأن وثيقة السياسة السكانية للمملكة, التي تدور محاور الخلاف فيها حول خفض معدل الخصوبة, والمباعدة بين الولادات، وتعزيز مفهوم الصحة الإنجابية، رغم ضبابيته في كثير من الاتفاقيات الدولية؛ وهو الأمر الذي حل مكان خلاف وجدل بين أعضاء المجلس، وبات يؤجل من جلسة لأخرى بين فريق يبحث فرض تلك النقاط التي يصر الطرف الآخر على مخالفاتها للشريعة الإسلامية بخلاف الفطرة السليمة. واعتبر الأعضاء المعارضون للوثيقة، أنها تمهيد للإباحية ومضلِّلة ومؤدية لإشاعة الإجهاض، وممارسة الجنس الآمن بين المراهقين. ليست المرة الأولى لكن هذه ليست المرة الأولى التي طرحت فيها ذات اللجنة هذه التعديلات، فبعد طرحها في صفر من العام الماضي تم تناولها مجدداً قبل أقل من شهرين في الثالث من محرم من العام الحالي، وحينها رفض مجلس الشورى أيضاً الموافقة على الوثيقة؛ ما يثير تساؤلات حول سبب الإصرار على إعادة طرحها كل فترة وإذا ما كانت آخر المطاف أن بداية طريق سارت فيه دول عربية أخرى. مصطلح الصحة الإنجابية ويعني مصطلح "الصحة الإنجابية" الذي كررته الوثيقة أكثر من مرة، أن الحكومات يجب أن تلتزم بتوفير خدمات التوليد، والرعاية الصحية أثناء الولادة والنفاس، ثم توفير وسائل تنظيم الأسرة مع التدريب على استخدامها، بتكلفة يسيرة ل"المراهقات الحوامل" دون غيرهن، وهذا ما نص عليه القرار العاشر من وثيقة عالم جدير بالأطفال في الدورة الاستثنائية السابعة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2002. وبالبحث عن سبب تزايد وتيرة المطالبة بإقرار الوثيقة، نجد أن وثيقة عالم جدير بالأطفال (البند 36/ز) أكد على إلزامية "إتاحة الإمكانية في أقرب وقت ممكن، وفي موعد لا يتجاوز عام 2015م لجميع الأفراد. خدمات الصحة الإنجابية يوضحها البند 94 من وثيقة بيكين فهي: "مجموعة الوسائل والتقنيات والخدمات التي تسهم في الصحة الإنجابية والرفاهية، عن طريق منع وحل المشاكل التي تكتنف الصحة الإنجابية، وهي تشمل أيضاً الصحة الجنسية، التي يتمثل هدفها في تحسين الحياة والعلاقات الشخصية، وليس مجرد تقديم المشورة والرعاية فيما يتعلق بالإنجاب والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي". فالخدمات ليست فقط التدريب على وسائل منع الحمل، وإنما تشمل الصحة الجنسية، التي تهدف إلى تحسين الحياة والعلاقات الشخصية؛ أي تدريب الأفراد على الوصول للمتعة الجنسية الكاملة، وليس مجرد المشورة فيما يتعلق بالإنجاب والأمراض الجنسية! فالأمم المتحدة تعرِّف «الثقافة الجنسية» – باعتبارها إحدى مكونات الصحة الإنجابية الرئيسية- بأنها: "توفير معلومات كاملة ودقيقة عن السلوك الجنسي الإيجابي المأمون والمسؤول، بما في ذلك الاستخدام الطوعي لوسائل الوقاية الذكرية المناسبة والفعالة؛ بغية الوقاية من فيروس الإيدز". ويتم بناء الوثائق الدولية بناءً محكماً ومتتابعاً، فكل بند مبني على سابقه. ويؤكده ويكمله، وفي الوقت نفسه يفسره ويوضح معناه. فالبند (96) مبني على البند (95). وقد نص على: "وتشمل حقوق الإنسان للمرأة حقها في أن تتحكم، وأن تبت بحرية ومسؤولية في المسائل المتصلة بحياتها الجنسية، بما في ذلك صحتها الجنسية والإنجابية، وذلك دون إكراه أو تمييز أو عنف. وعلاقات المساواة بين الرجال والنساء في مسألتي العلاقات الجنسية والإنجاب، بما في ذلك الاحترام الكامل للسلامة المادية للفرد، تتطلب الاحترام المتبادل والقبول وتقاسم المسؤولية عن نتائج السلوك الجنسي". وكما هي العادة في الوثائق الدولية، يأتي استخدام الكلمات المطاطة، الغامضة لتحمل بين طياتها معاني في غاية الخطورة، فحق المرأة أن تبت بحرية ومسؤولية في المسائل المتصلة بحياتها الجنسية… إلخ، يعني أن يكون قرار إقامة العلاقة الجنسية بيد المرأة وحدها، سواء كانت متزوجة، أو "شريكة"، ويترتب على ذلك تجريم العلاقة التي تقوم بناء على رغبة الزوج أو الشريك إذا تمت في وقت لا يروق للمرأة – كما أسلفنا في تناول مصطلح العنف الأسري – ولا مانع من استخدام عبارة "الاحترام المتبادل" لتمرير البند، ثم "تقاسم المسؤولية عن نتائج السلوك الجنسي"، وهو ما يعني الاقتسام الكامل بين الرجل والمرأة لمسؤوليات رعاية المولود الذي تثمره العلاقة الجنسية. الإجهاض من خدمات الصحة الإنجابية: وقد ورد في تقرير لجنة الخبراء الصادر عن شعبة الارتقاء بالمرأة بالأمم المتحدة DAW لعام 2007 بعنوان: القضاء على كافة أشكال العنف والتمييز ضد الطفلة الأنثى"، في الفقرة 115 بتوفير معلومات الصحة الجنسية للطفلة لتعليم الأطفال والمراهقين بشكل عملي كيفية ممارسة العلاقة الجنسية، مع توقي الحمل والأخطار المرضية أثناء ذلك، وتوفير احتياجات الصحة الإنجابية للمراهقين، كما أكد على ضرورة توزيع وسائل منع الحمل في المدارس خاصة للفتيات؛ لتكون ممارسة الجنس الحر عندهن أيسر، وتوفير خدمة الإجهاض بشكل معلن وقانوني، وأن يطلق عليه اسم الإجهاض الآمن في المستشفيات الرسمية. وتطالب الوثائق الدولية بإباحة الإجهاض وتقنينه، وتبرير ذلك أن لجوء الفتيات لعمل الإجهاض بشكل غير قانوني يعرضهن للخطر، ويصير الإجهاض "غير آمن"، أما لو تم تقنين الإجهاض، ففي تلك الحالة سيكون الإجهاض "آمناً" للنساء والفتيات! فجاءت وثيقة بكين لتطالب في البند 93 بنشر المعلومات والمشورة للمراهقات، لحمايتهن من الحمل غير المرغوب فيه – كما يطلقون عليه – وعمليات الإجهاض غير المأمون. كما جاء في البند (106 فقرة ك) من وثيقة بيكين: "…أما النساء اللاتي يحملن حملاً غير مرغوب فيه، فينبغي أن تيسر لهن فرص الحصول على المعلومات الموثوقة والمشورة الخالصة، وأي تدابير أو تغييرات تتصل بالإجهاض في إطار نظام الرعاية الصحية لا يمكن أن تتقرر إلا على المستوى الوطني أو المحلي، ووفقاً للتشريع الوطن، والنظر في استعراض القوانين التي تنص على اتخاذ إجراءات عقابية ضد المرأة التي تجري إجهاضاً غير قانوني. تناقضات بين الوثيقة السكانية وواقع الاقتصاد المحلي وأشار الكاتب محمد العنقري إلى تناقضات بين مبررات التعديلات والواقع الحقيقي للاقتصاد المحلي، من حيث الإمكانات الحالية والمستقبلية، فقد تراجع معدل النمو السنوي من عام 2004م، من 2.4 بالمائة إلى 2.18 بالمائة عام 2013؛ أيّ أن التراجع بالخصوبة واضح، أما على مستوى نمو عدد الوافدين للفترة ذاتها، فإن النمو بلغ 50% من 6 ملايين إلى أكثر من 9 ملايين. بينما كان النمو السنوي يسجل تراجعاً من 5.8% إلى ما يقارب 4% خلال الفترة نفسها بين 2004م إلى 2013م.