يرى كثير من المحللين الاقتصاديين وتحديداً المختصين في عالم الصيرفة أن للبنوك الإسلامية دوراً كبيراً يجب أن تقوم به يتعلق بقيادة الاقتصاد العالمي، وذلك لسببين رئيسين، الأول يتعلق بمدى صمودها وقلة تأثرها بالأزمة المالية العالمية، والثاني يتعلق بحزمة النجاحات التي حققتها خلال مسيرتها القصيرة نسبياً إذا ما قورنت بمسيرة البنوك التقليدية، وفقا لما نشرته "الرياض". الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالعالم كان وقعها محدوداً على الصيرفة الإسلامية، وهناك من يقول لم يكن لها أي تأثير، لكن بالمجمل هذه الأزمة وتداعياتها محدودة التأثير على الصيرفة الإسلامية، ولذلك ها نحن نجد أصوات من داخل عالم الصيرفة الإسلامية والدول الإسلامية ومن خارجها أيضاً، الأمر الذي يدلل على إمكانية أن يكون هناك دور كبير للبنوك الإسلامية في احتلال مكانة ودور اكبر من السابق في الاقتصاد العالمي، بل هناك من يصر على أنه من المفترض أن يكون لها دور قيادي في قيادة الاقتصاد العالمي. فعلى سبيل المثال لا للحصر، دعا الرئيس الإندونيسي في كلمته الافتتاحية للمنتدى العالمي للاقتصاد الإسلامي الخامس في العاصمة جاكرتا بحضور قيادات سياسية واقتصادية من 38 دولة، دعا البنوك الإسلامية إلى الاضطلاع بدور قيادي في الاقتصاد العالمي في خضم الأزمة المالية التي يشهدها العالم. ومن المعروف أن المؤتمر ناقش موضوع الكساد الذي يتعرض له الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى قضايا أخرى من بينها أمن الطاقة والأمن الغذائي. وقال الرئيس الإندونيسي إن الوقت قد حان لكي تقوم البنوك الإسلامية بمهمة للتعريف بأنشطتها في الغرب، لأن المؤسسات المالية الإسلامية لم تتضرر بنفس الدرجة التي تضررت بها مثيلاتها الغربية، مشيرا إلى أن الكثيرين في العالم الغربي مستعدون في الوقت الحاضر للاستفادة من النموذج الناجح الذي تقدمه البنوك الإسلامية. تنتشر اليوم كثير من التحليلات والدراسات والمقالات في مختلف وسائل الإعلام الغربية والأجنبية عموماً، تشير إلى أنه في ظل تفاقم الأزمة المالية العالمية وتبعاتها ونتائجها وتداعياتها، لا بد من اللجوء أو الاعتماد والاستفادة من تجربة المصارف الإسلامية، حيث ينظر البعض في الغرب إلى أن المصارف الإسلامية قاعدة مصرفية آمنة، كما تقول صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، مشيرة إلى أن أعداد المنتسبين إليها من الأفراد والشركات في تزايد مستمر. كما تسعى حاليا الحكومة البريطانية عبر تغيير القوانين ومنح الإعفاءات الضريبية إلى تحويل لندن إلى المركز الغربي الأول للبنوك الإسلامية، حيث تقوم البنوك التقليدية والمؤسسات المالية بإصدار منتجات متطابقة مع أحكام الشريعة. وقد نمت الخدمات المالية الإسلامية في العالم إلى أكثر من ثلاثة أضعاف في العقد الماضي من 150 مليار دولار في منتصف التسعينيات إلى خمسمائة مليار في 2006. وتسعى الحكومة البريطانية لتصبح الأولى من بين الحكومات الغربية التي تصدر الصكوك الإسلامية التي تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية من النواحي المالية وتمنع جميع أنواع الفوائد، كما تمنع الاستثمار في أي مشروعات تتعلق بالكحول والقمار والتبغ والموضوعات الإباحية، وهي مسائل تتوافق مع ما يتطلع إليه عدد متنام من الغربيين الذين يرغبون في استثمارات مسؤولة من الناحية الاجتماعية. كما أن هناك دراسة جديدة أصدرتها إنترناشونال سيرفسز لندن، وهي مؤسسة مستقلة تمثل صناعة الخدمات المالية البريطانية، تفيد بأن البنوك الإسلامية بشكل عام لن تتضرر من الأزمة المالية الحالية، بسبب هيكلتها التي لا تتعامل أو تتعامل بشكل بسيط فقط مع الأدوات المالية المعقدة التي كانت السبب وراء الأزمة الحالية، مثل المشتقات والبيع على المكشوف. وعلى الرغم من أن أحكام الاقتصاد الإسلامي تسمح ببعض المجازفة، إلا أنها لا تسمح بالمجازفة الكبيرة المعروفة باسم الغرر. فكل صفقات البيع والشراء في الاقتصاد الإسلامي تعتبر باطلة إن لم تكن المادة المتعامل بها مؤكدة وشفافة. وفي حال الإقدام على مخاطر فإنه يتم تقاسمها بحيث يتحمل البنك والعميل جزءا من المخاطرة في أي استثمار تم الاتفاق عليه كما يتم اقتسام الأرباح. ومن المعروف أن منتجات المصارف الإسلامية تتمحور حول المرابحة، وهي نوع من القروض التي تساعد العملاء في الشراء دون الحاجة لأخذ قروض بفوائد. فيقوم المصرف الإسلامي بشراء وبيع البضاعة للعميل على أساس مؤجل. ويقدم أكثر من 26 بنكا في بريطانيا منتجات إسلامية بما في ذلك بنك إتش إس بي سي. ومن هذه البنوك ستة تطبق بالكامل الشريعة الإسلامية. ومن هذه البنوك أيضا بنك بريطانيا الإسلامي الذي يبلغ عدد عملائه 64 ألفا ولديه فروع في لندن وبرمنغهام ومانشستر. وقد أصدر مؤخرا قروضا عقارية متفقة مع الشريعة الإسلامية يأمل في جذبها لعدد كبير من خارج السوق البريطانية التي يعمل بها نحو مليونين من المسلمين. يقول باتريك لامب وهو مسؤول بالحكومة البريطانية حضر مؤخرا المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية الذي عقد بالبحرين، إن العدد المتزايد للمسلمين في بريطانيا يساعد في ظهور لندن كمركز للبنوك الإسلامية، مشيرا إلى أن عدد البنوك الإسلامية في العاصمة البريطانية هو الأكبر في أوروبا. ومن جانبها قالت كريستيان ساينس مونيتور إن عددا كبيرا من الشركات المملوكة للمسلمين تتجه للحصول على أموال من البنوك الإسلامية لتمويل توسعاتها، إضافة إلى تدفق الاستثمارات من دول الخليج الغنية إلى بريطانيا في السنوات الأخيرة. ومن هذه الأموال ستمائة مليون دولار استثمرها صندوق كويتي في شراء واحدة من أعلى المباني في لندن تسمى ويلس بلدنغ، بينما تدفق ثلاثة مليارات دولار من قطر لشراء ما سيصبح أعلى مبنى في أوروبا، ويسمى شارد أوف غلاس وسيبلغ ارتفاعه ألف قدم. وهنا يعتقد كثير من المتابعين أن مثل هذه التصريحات التي تبعتها خطوات وإجراءات وسوف تتبعها خطوات أخرى تؤكد على أن الصيرفة الإسلامية قادرة على أن تلعب دوراً رئيساً في قيادة الاقتصاد العالمي، خصوصاً أن الأزمة المالية الحالية أثبتت هشاشة عالم الصيرفة التقليدية، بينما كشفت الأزمة عن صلابة وقوة عالم الصيرفة الإسلامية، وهي صلابة موضوعية في ما يعتقد البعض تتعلق بجوهر الصيرفة الإسلامية. لكن هناك من يقول إن مثل هذا الدور يتطلب جهوداً غير عادية، ويشكك في مقدرة البنوك الإسلامية على النجاح بهذه المهمة لأسباب موضوعية تتعلق بعدم السماح له أن يحتل هذه المكانة، ولأسباب ذاتية تتعلق بطبيعة التحديات الخاصة التي تواجهها البنوك الإسلامية على أكثر من صعيد. وبالمقابل يصر الداعمون والمؤيدون لقدرة البنوك الإسلامية على أن تحتل مكانة متقدمة بل ورئيسية وقيادية في الاقتصاد العالمي، على أن ما يجرى في العالم المالي اليوم يؤكد فشل البنوك التقليدية على حماية نفسها، ويؤكد أيضاً على قدرة البنوك الإسلامية من القيام بدور كبير في الاقتصاد العالمي، ويدلل على ذلك بمسيرة تلك البنوك القصيرة نسبياً مقارنة بالبنوك التقليدية، وحجم النجاحات التي حققتها وحجم المنافسة مع البنوك التقليدية، وكثرة وسرعة انتشار تلك البنوك في كافة قارات العالم، قبل الأزمة المالية العالمية، وكل هذا يعتبر مؤشرات ودلائل على أن البنوك الإسلامية مؤهلة ويجب أن تحتل مكانة جديدة بل وتقود الاقتصاد العالمي، على الرغم من كل محاولات التشكيك.