شهد هذا الشهر حدثين ماليين منفصلين، لكنهما يشيران معا الى تطور كبير في عمل المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية واهتمام اسواق المال والاستثمار العالمية بها. ففي الاسبوع الاول منه وقع محافظ مؤسسة النقد البحرينية (البنك المركزي لمملكة البحرين) مذكرة تفاهم مع رئيس بورصة المعادن في لندن لمساعدة المؤسسة على تطوير العقود والتوثيق لمعاملات المؤسسات المالية الاسلامية في تجارة المعادن في البورصة الدولية. وتهدف البورصة، التي تدور فيها اموال سنوية تقدر بنحو 2000 مليار دولار، الى الاستفادة من تنامي حجم الاستثمارات الاسلامية التي تتم على اساس الشريعة. كما تسعى مؤسسة نقد البحرين الى تعزيز دورها في مجال التشريع ووضع اللوائح للبنوك والمؤسسات المالية الاسلامية. وبما ان معظم المعاملات الاسلامية تتم في الاصول المادية، فان الاتفاق مع بورصة المعادن يخدم ذلك التوجه. وتدير المؤسسات المالية والمصارف الاسلامية اموالا بنحو 230 مليار دولار، 80% منها تستثمر في تجارة السلع والمواد. في هذا السياق يأتي الحدث المالي الثاني والمتعلق ايضا بالتجارة في سلع مادية. فقد وقعت ادارة الاصول الاسلامية في البنك الدولي للمؤسسة المصرفية العربية اتفاقية مرابحة مع شركة فيتول السويسرية لشراء منتجات مشتقات نفطية، خاصة وقود الطائرات، من شركات المصافي. ويسمح نظام المضاربة التجميعية بمشاركة بنوك اخرى في الاتفاقية مستقبلا، وتم بالفعل استطلاع الامر مع عدد منها. وتشارك (فيتول) كذلك في الاتفاقية بغية زيادة مصادر التمويل لديها والانفتاح على قطاع الاستثمار الاسلامي المتنامي. فقد وصل عدد المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية الى 250 مؤسسة تعمل في 50 بلدا، واصبحت محط اهتمام منافذ الاستثمار العالمية. لكن لا تزال هناك الكثير من العقبات امام زيادة نشاطها في الاسواق الدولية، وكلها عقبات اجرائية تتعلق باللوائح والتشريعات وتكييفها مع الشريعة الاسلامية. فحتى الآن لا تتعامل الاستثمارات الاسلامية الا في اسهم شركات مختارة على اساس عدم مخالفة الشريعة، لكن لا توجد تعاملات في السندات الحكومية او المضاربة على الاجل. الا ان التطورين الاخيرين هذا الشهر يؤثران على مدى التقدم في قطاع الصيرفة الاسلامية عالميا. واذا كانت البحرين تسعى لان تكون الرائدة في مجال تطوير الصيرفة والاستثمار الاسلامي، بغية اعادة احياء دورها كمركز مالي رئيسي في المنطقة، فان مراكز اخرى بدأت في البروز في قطر ودبي لجذب الاستثمارات والصيرفة الاسلامية. كما ان العديد من البنوك العالمية الكبرى بدأت في فتح فروع تعاملات اسلامية لديها، وبدأت تعمل على تكييف نشاطاتها التقليدية مع قواعد الشريعة الاسلامية مستهدفة ليس فقط جذب الودائع الاسلامية من العالم الاسلامي، بل كذلك خدمة قطاعات واسعة من ابناء الجاليات الاسلامية في الدول الغربية. وتذكر هنا تجربة جديدة بدأت هذا الشهر ايضا هي قيام مصرفين رئيسيين في بريطانيا بتوفير خدمة القرض العقاري الاسلامي. ولا تستهدف تلك المصارف فقط الاستثمارات المالية الاسلامية في العقارات البريطانية، بل كذلك قطاع واسع من ابناء الجالية الاسلامية في بريطانيا. وغالبية هؤلاء من ابناء الجيلين الثاني والثالث من العرب والاسيويين المسلمين الذين يرغبون في التمسك بشريعة دينهم في معاملاتهم المالية واقتصاديات حياتهم اليومية. ويقوم نظام العقار الاسلامي على شراء فرع المعاملات الاسلامية في بنك مثل (اتش اس بي سي) المنزل الذي يختاره العميل ثم يؤجره له ويتفق معه على دفع ثمنه، ويظل ملكا للبنك حتى يسدد ثمنه ويعوض الايجار في هذه الحالة الفائدة على القرض العقاري التى تحصل عليها البنوك غير الاسلامية.مع ذلك تظل هناك عقبات من نوع اخر تواجه المتعامل مع المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية، لا علاقة لها في الواقع بتطابق التعاملات مع الشريعة. ويبدو التعامل مع قطاع الصيرفة والاستثمار الاسلامي اكثر تعقيدا وبطئا منع عن التعامل مع المصارف والمؤسسات المالية العادية. وربما يلحظ المتعاملون بالتجزئة مع تلك المؤسسات الفارق اكثر من المستثمر الكبير. وحتى الان لم تواجه تلك المؤسسات تزايد الرغبة لدى الكثير من العملاء، في البلدان العربية والاسلامية والجاليات الاسلامية في الغرب، في التحول الى الصيرفة الاسلامية. والمشكلة في الاساس هي ان تلك المؤسسات لا يبدو انها تعمل على اساس تنافسي، حيث يبدو الاتجاه العام لها ان العميل سيأتي اليها لمجرد انها اسلامية فقط. لكن الحقيقة ان العميل يهتم اولا بسهولة التعامل وما يقدمه له المصرف او مؤسسة الاستثمارات من تسهيلات في تعاملاته معه او غيره في السوق.