(الحياء – معناه – أنواعه) الحمد لله، والصَّلَاة وَالسَّلَامُ على رسول الله. وبعد: فإنّ الحياء خصلة من خصال الإِسْلَامِ، وصفة من صفاتِ الأنبياء والمرسلين، وَهُوَ دليل على كرم السجية، وطيب المنبت. * تعريف الحياء: هو خلق يبعث على فعل الحسن، وترك القبيح، أما الحياء الذي يمنع من الخير فهذا حياءٌ مذموم. * منزلة الحياء: الحياء دليل على كمال النفس وعزّها، ويدرج فِي باب حسن الخلق، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الخصال الأربع التي مَا إن توفرت فِي مسلم فلا يحزن بعدها على أَيْ عرض من أعراض الدنيا، قَالَ صلى الله عليه وسلم: (أربع إذا كن فيك فلا عليك مَا فاتك من الدنيا : حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة طعمة). * أنواع الحياء: للحياء أربعة أنواع: 1 – حياء من الله: وَهُوَ أسمى منازل الحياء وأعلاها. وسببه كما قَالَ بعض أهل العلم: رؤية العبد آلاء الله، ورؤية التقصير فِي نفسه فيتولد بينهما حَالَة تسمى (الحياء). وعلى حَسْبَ حياة قلب المؤمن يكون فيه قوة خلق الحياء. – جاء رجل إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني، قال: (أوصيك أن تستحيي من الله كما تستحيي من الرجل الصالح من قومك) صححه الألباني. قال ابن القيم: من استحيى من الله عند معصيته استحيى الله من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستحِ من الله عند معصيته لم يستحِ الله من عقوبته. وقد أعدّ الله نُزلاً فِي الجنة لمن خشيه واستحيى منه: (إنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وقد قال صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت) أي: حيث يراك الناس، وحيث لا يرونك اكْتِفَاء وحياء بنظر الله إليك. 2 – الحياء من الملائكة: قَالَ بعض السلف: إِنَّ معكم من لا يفارقكم فاستحيوا منهم، وأكرموهم: (وإنَّ عَليِكُم لحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يعلَمُونَ مَا تفعلُونَ) 3 – الحياء من الناس: وَهُوَ الضابط والميزان لأقوال وأفعال العبد فِي الخلوات، قَالَ صلى الله عليه وسلم: (ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت) حسنه الألباني. 4 – الحياء من النفس: وتكون بصيانة الخلوات، وحسن السريرة، ومن صلُح باطنه واستقام ظاهرُه خُتم له بخير. قال ابن القيم: إِنَّ طاعة الخلوات هي أصل الثبات، وذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات. س – كيف يكون الحياء من الله؟ أ – حياء المؤمن من الله: أن يحفظ الرأس وما وعى (يدخل فيه حفظ السمع، والبصر، واللسان عن مَا حرم الله)، وأن يحفظ البطن من إدخال الحرام فيه. ب – حياء المؤمن من الله: أن لا يستعمل نعم الله من مال وصحة فيما يغضبه سبحانه. ج – حياء المؤمن من الله: أن لا يمر عليه يوم من أَيَّام عمره ولم يقرأ فِي كتاب ربه. د – حياء المؤمن من الله: أن لا يهدر وقته فيما لا ينفعه، وَهُوَ يعلم أن عمره وشبابه سيُسأل عنه. ه – وحياء المؤمنة من الله: يظهر أثره على لباسها وحجابها الساتر، وفي حديثها مع الرجال الأَجَانِب، فالمرأة الحييّة كالجوهرة المصونة. ه – حياء المؤمن من الله: يبقى معه إِلَى نزع الروح، فمن علامات حسن الخاتمة لبعض المؤمنين، قَالَ صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يموت بعرق الجبين) قيل: إِنَّ عرق الجبين من الحياء؛ وذلك أن المؤمن إذا جاءته البشرى من ربه بالجنة مع ما كان قد اقترف من الذنوب حَصَلَ له بذلك خجل واستحياء من الله فيعرق لذلك جبينه. وسائل اكتساب الحياء: 1/ تقوى الله سبحانه ومراقبته. 2/ الصحبة الصالحة. 3/ حسن التربية، قَالَ صلى الله عليه وسلم: (من كانت له أُختان أو ابنتان، فأحسن إليهما مَا صحبتاه، كنتُ أنا وَهُوَ فِي الجنة كهاتين). قَالَ الشيخ عبدالعزيز بن باز – رَحِمَهُ اللهُ – هذا الحديث عام للأب والأم، وكذلك لو كان له أخوات أو عمّات فأحسن إليهن، وليس المقصود بالإحسان توفير الطعام والكسوة فقط، وإنما أَيْضاً تربيتهن على الصلاح والحرص على عفتهن، وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره. خِتَاماً أسأل الله أن يرزقنا جَمِيعاً الحياء منه ومراقبته، وأن يجعل فِي قلوبنا نوراً، وفي أسماعنا نوراً، وفي أبصارنا نوراً.