مطلبٌ إيمانيٌّ عظيم، ومرتبةٌ عُليا سامية في تعامل المسلم مع ربِّه جلَّ وعلا. ولئن كان خُلُق الحياء يمثِّلُ العِطْر والجوهر النفيس في منظومة الأخلاق بعموم. فإن الحياء من الله تعالى يمثِّل حقيقة الحياة وجوهرها وروحها ونفحَ طِيبها المطيَّب المُطيِّبِ لمن تخلَّق وتحلَّى به، حتى يأخذ بصاحبه إلى دارِ السعادة في الآخرة، مع البشرى بنعيم السعداء في الدنيا: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) .. -معنى الحياء من الله تعالى: يتبيَّنُ لنا هذا المعنى الجليل من خلالِ عددِ من نصوص الشرع المطهَّر. كقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابهِ: "استَحيوا مِنَ اللهِ حقَّ الحياءِ. قال ابن مسعود: قُلنا يا نبيَّ اللهِ، إنَّا لنَستَحيي والحمدُ للهِ. قال: ليسَ ذلكَ، ولكن الاستِحياءُ مِنَ اللهِ حقَّ الحياءِ؛ أن تحفَظَ الرأسَ وما وَعى، وتحفَظَ البطنَ وما حوَى، ولتذكُرَ الموتَ والبِلَى، ومَن أرادَ الآخرةَ ترَكَ زينةَ الدُّنيا، فمَن فعل ذلكَ؛ فقد استَحيا مِنَ اللهِ حقَّ الحياءِ".[1] وإذا تأملنا الحديث الشريف، نجد الحياءَ من الله عزوجل حالةً وعبادةً قلبية يترتَّب عليها سلوكٌ يمثِّل في حقيقته عبادات الجوارح .. وذلك حقُّ الحياء من الله سبحانهُ وتعالى .. فعِلْمُ العبدِ أن الله تعالى سميع؛ يسمعُ كلام لسانِه وخَطَرات نفسه ووساوسها يولِّدُ لديه حياءً ومراقبة لربِّهِ عزوجل، وامتناعاً عن قآلةِ وخَطَراتِ السوء .. وعِلمُ العبد أن الله تعالى بصير؛ يرى مكانه حيثُ كان وأنَّى ذهب، وأنهُ تعالى لا يعزبُ[2] عنهُ مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، يولِّدُ لديهِ حياءً ومراقبة لربِّه تعالى، فيمتنع عن أماكن السوء وينأى عنها أشدَّ النأي. تَفْرَقُ نفسُهُ حَذَراً أن يراهُ ربُّه حيث نهاه، ويفقدهُ حيثُ أمره .. وعلمُ العبد أن الربَّ تعالى حكيمٌ عدل؛ يولِّدُ لديهِ حياءً من ربِّه سبحانه من أن ينبِذَ شريعته ودينه أو أن يؤثر عليها غيرها من وضعياتِ البشر. كما يُولِّدُ لديهِ حياءً من ربِّهِ تعالى، من أن يكون خاسراً مفلساً حين المثولِ والعرضِ بين يديه، وقد بلغته دعوة نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وأنزلَ الربُّ الرحيم عليه شريعة الهدى ليهتدي إلى الصراط المستقيم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) .. وعِلمُ العبد بهَوَانِ الدنيا الفانية على الله عزوجل، يورِثُ لديهِ استحياءً من ربِّه عزوجل من أن يرى في قلبهِ تعظيماً لها وحرصاً على حيازتها!. قال صلى الله عليه وسلم: "لو كانتِ الدُّنيا تعدلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةَ ماءٍ"[3]، وقال -بأبي هو وأمي-: " إن اللَّهَ قسَّمَ بينَكُم أخلاقَكُم، كما قسَّمَ بينَكُم أرزاقَكُم، وإنَّ اللَّهَ يُعطي الدُّنيا مَن يحبُّ ومن لا يحبُّ، ولا يعطي الدِّينَ إلَّا لمن أحبَّ، فمَن أعطاهُ اللَّهُ الدِّينَ فقد أحبَّهُ"[4]. لنتأمل: "ولا يعطي الدين إلا لمن أحب" .. والقلبُ الحييُّ من الله تعالى هو القلبُ الغنيّ بحق، قد امتنعَ عن محارِم الله وحفظَ ربَّهُ عزوجل فحفِظَهُ سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنَى عن كثرةِ العرَضِ، ولكنَّ الغنَى غنَى النَّفسِ".[5] ثمَّ ذكرُ الموتِ والبِلى والصيرورة إلى مآل الآخرة مما يُعينُ على ذلك، ويحمل العبد على الاستحياء من الله حق الحياء: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) .. -قال الشارح: "استَحْيوا"، فِعلُ أمرٍ مِن الحياءِ، وهي: صِفةٌ في النَّفسِ تَحمِلُ على فِعْلِ ما يُحمَدُ وتَركِ ما يُذَمُّ عليه ويُعابُ، "مِن اللهِ"، أي: لِيَكُنْ هذا الحياءُ مِن اللهِ تعالى لا مِن الخَلقِ؛ لأنَّه سبحانه مُطَّلِعٌ على عِبادِه ومُراقِبٌ لهم، "حقَّ الحياءِ"، أي: حياءً صادقًا وثابتًا ولازمًا؛ وذلك بِتَركِ الشَّهواتِ وتَحمُّلِ الْمَكارِهِ في الطَّاعاتِ، والقيامِ بالفرائضِ، وتركِ المحرَّماتِ، وقيل: مَعناه، اتَّقوا اللهَ حقَّ تُقاتِه، "قلنا"، أي: قال الصَّحابةُ الحاضِرون للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا رسولَ اللهِ، إنَّا لنَسْتَحْيي والحمدُ للهِ"، أي: نَستَحِي مِن اللهِ تعالى ونَحمَدُه على أنْ وفَّقنا للحياءِ منه، ولم يَقولوا حقَّ الحياءِ اعتِرافًا بالعجزِ عنه، "قال"، أي: رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ليس ذاك"، أي: ليس هذا الَّذي تَفعَلونه هو حقُّ الحياءِ، "ولكنَّ الاستحياءَ مِن اللهِ حقَّ الحياءِ" هو "أن تَحفَظَ الرَّأسَ" بألَّا تَستَعمِلَه في غيرِ طاعةِ اللهِ، فلا تَسجُدَ ولا تَخضَعَ إلَّا للهِ، ولا تَرفَعَه تَكبُّرًا على خَلقِ اللهِ، "وما وَعى" مِن الجوارِحِ الظَّاهرةِ والباطنةِ؛ كالعَينَينِ والأُذنَينِ واللِّسانِ، بألَّا تَعصِيَ بهذه الجوارحِ، فتَحْفظَ بَصَرَك عن النَّظَرِ إلى الحرامِ، وتَحْفظَ أُذنَك عن سَماعِ الحرامِ، وتَحفَظَ لِسانَك عن التَّكلُّمِ بالحرامِ، "وتَحْفَظَ البَطنَ" عن أكلِ الحرامِ، والبطنُ تَشمَلُ كلَّ ما هو باطنٌ ومُستتِرٌ وما يتَّصِلُ بها مِن أعضاءٍ، "وما حَوى"، أي: ما اتَّصَل بالبطنِ مِن الجوارِحِ الظَّاهرةِ والباطنةِ، كالقلبِ واليدَين والرِّجلَين، فيَحفَظُها عن المعاصي، ويفعَلُ بها الطَّاعاتِ، "ولْتَذكُر"، أي: تتَذكَّرِ "الموتَ"، وأنَّه حقٌّ وأنَّ الدُّنيا ستَفْنى، "و" تَذكُرِ "البِلَى" بعدَ الموتِ بأن تصيرَ عِظامًا باليةً رَميمةً مُتفتِّتةً. ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "ومَن أراد الآخِرةَ"، أي: الفوزَ بالجنَّةِ ونَعيمِها؛ لأنَّ الدَّارَ الآخِرةَ دارُ البقاءِ والخلودِ، "ترَك زِينةَ الدُّنيا"، أي: أعرَض عن بَهجتِها وشَهواتِها؛ لأنَّ طلَبَ الدُّنيا والآخِرَةِ لا يَجتَمِعان، "فمَن فعَل ذلك"، أي: جميعَ ما ذُكِر مِن حِفظِ الرَّأسِ والبطنِ والجوارحِ المتَّصِلةِ بهِما، وتذَكُّرِ الآخرةِ وتَرْكِ زينةِ الدُّنيا وشَهواتِها، "فقد استَحْيا"، أي: اكتسَبَ صِفةَ الحياءِ "مِن اللهِ حقَّ الحياءِ"، وكان مُراقِبًا للهِ تعالى ظاهِرًا وباطِنًا، فلا يَعْصيه جلَّ في عُلاه؛ لأنَّه يَعلَمُ أنَّه مُطَّلِعٌ عليه.[6] ويدخل في معنى الحياء من الله عزوجل أيضاً؛ عدم استثقالِ شريعته سبحانه وتعالى، أو السعي للتخلُّص أو التخفف منها صراحةً، أو ضِمناً بالتحايل عليها!، بل واجبُ المؤمن الحق تعظيمها أشدَّ التعظيم والاحتفاء بها واستشعار كونها منحةٌ ربَّانية ونعمةٌ إلهية عُظمى، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) .. ويدلُّ على هذا المعنى – عدم استثقالها-؛ قوله صلى الله عليه وسلم لموسى عليه السلام: "قد استحييتُ من ربي"[7] ، وذلك لمَّا تردَّد مِراراً بين الربِّ عزوجل – يسأله التخفيف من الصلاة- وبين موسى عليه السلام. وكذلك في سبب نزول الآيتين الآخرتين من سورة البقرة، فالشاهِد أن نبي الله قال: "… أتُريدونَ أن تَقولوا كما قالَ أَهْلُ الكتابَينِ من قبلِكُم سمِعنا وعصَينا؟، بل قولوا: سَمِعنا وأطَعْنا غُفرانَكَ ربَّنا وإليكَ المَصيرُ، فلمَّا اقتَرأَها القومُ، ذلَّت بِها ألسنتُهُم، فأنزلَ اللَّهُ في إثرِها: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)".[8] أما التحايل والَحَرج في النفس من دينِ الله وشريعته فمنافٍ للحياء من الله تعالى، قال عزوجل: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). والحياءُ قرينُ الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الحياءَ و الإِيمانَ قُرِنا جَميعًا، فإذا رُفِعَ أحدُهُما رُفِعَ الآخَرُ".[9] وفي التحايل على الشريعة؛ ورد قوله صلى الله عليه وسلم: "قاتلَ اللهُ اليهودَ إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لما حرَّمَ عليهم شحومها، أجملوهُ ثم باعوهُ. فأكلوا ثمنَه"[10]. أي: أَذابُوه واستخْرَجُوا دُهْنَه، ثُمَّ بَاعُوه فَأكَلُوا ثَمَنَه. قال الشارح: "وفيه: إبطالُ الحِيَلِ وَالوسائلِ لِلوصولِ إلى الْمُحَرَّمِ". فالإجمال تحايل!. ويدخل في معنى الحياء من الله عزوجل أيضاً؛ المحافظة والحرص على التستر، فعن معاوية القشيري رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن العورات، فأجابهُ صلى الله عليه وسلم حتى قال: "… قلتُ يا نبيَّ اللهِ إذا كان أحدُنا خاليًا؟ قال: فاللهُ أحقُّ أنْ يُستحيا منه مِن الناسِ".[11] وبعد .. فالحياءُ من الله عزوجل؛ هو الحياءُ الذي يتولَّد من تعظيمِ الربِّ عزوجل، وهو خُلُقٌ مكتسب من شريعةِ الربِّ تعالى، يدفع المسلم لفعل الواجب واجتناب المحارم. قال ابن القيِّم في حقيقة الحَيَاء: "قال صاحب المنازل: الحَيَاء: مِن أوَّل مدارج أهل الخصوص، يتولَّد مِن تعظيمٍ منوطٍ بودٍّ. إنَّما جَعَل الحَيَاء مِن أوَّل مدارج أهل الخصوص: لما فيه مِن ملاحظة حضور مَن يستَحيي منه، وأوَّل سلوك أهل الخصوص: أن يروا الحقَّ سبحانه حاضرًا معهم، وعليه بناء سلوكهم. وقوله: إنَّه يتولَّد مِن تعظيمٍ منوطٍ بودٍّ. يعني: أنَّ الحَيَاء حالة حاصلة مِن امتزاج التَّعظيم بالمودَّة، فإذا اقترنا تولَّد بينهما الحَيَاء".[12] وحول هذا المعنى الجليل دارت كثيرٌ من أقاويل السلف رضوان الله عليهم؛ فقال عمر رضي الله عنه: "مَن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومَن قلَّ ورعه مات قلبه". وقال ابن عطاء: "العلم الأكبر: الهيبة والحَيَاء؛ فإذا ذهبت الهيبة والحَيَاء، لم يبق فيه خير". وقال ذو النُّون المصري: "الحَيَاء، وجود الهيبة في القلب، مع وحشة ما سبق منك إلى ربِّك تعالى" .. -يسمعُ النداء للصلاة، فيستحي من الله ألَّا يجيبه .. -يأتيهِ الأمرُ من الله ورسولهِ فيستحي أن يردهما أو ألا يمتثلهما .. -ينفرد في حجرته فيستحي أن ينتهك ستر الله عليه، فيرعى خَلْوَته .. -تستمعُ إلى نصوصِ الشريعة في الزينة المحرمة فتستحي من الله أن تقيمَ على ما هي عليه .. -يستحي من الله أن تمرَّ به الأيام من عمره وهو هاجرٌ لكتابِ ربِّهِ العظيم .. -يستحي من الله أن يهدر وقتهُ فيما لا يقربه من ربِّه عزوجل .. -يستحي من الله أن ينهر السائل ويقهر اليتيم وقد طرقت مسامعهُ أوامر الله في سورة الضحى وغيرها من نصوص الشرع .. -يستحي من الله أن يسيئ إلى الوالدين ونصوص الوحيين ممعنةٌ في الوصيةِ بهما والحثَّ على برهما .. وغير ذلك من الأمثلة .. ثم حسبُّ المؤمن أن يعلم أن الحياءَ صفةٌ إلهية ثابتة لله عزوجل على الوجه الذي يليق به سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ حييٌّ ستِّيرٌ يحبُّ الحياءَ والتَّستُّرَ، فإذا اغتسلَ أحدُكُم فليستَتِر"[13]. وقال أيضاً: "إنَّ اللهَ حييٌّ كريمٌ، يستحي إذا رَفع الرجلُ إليه يدَيه أن يردَّهما صِفرًا خائبتَينِ"[14].. لنتأمَّل: "يحبُّ التستر" .. ختاماً؛ لا لاختزال المعاني!: سألتني إحدى الأمهات: أودُ الخِطبة لابني فهل تعرفين فتاة (تستحي)؟! .. أجبت: ما تقصدين بكونها (تستحي؟!) .. تلك المفردة في ثنايا السؤال لافتة بحق! .. هل تقصدين حُمرة الورد وخفض الرأس في موقفٍ عابر؟! .. قالت: لا!؛ بل أقصدُ أن تكون ممن يخشى الله ويتحلى بالأدب ومكارم الأخلاق وتحافظ على الصلاة! .. أجبت: أنتِ إذن تريدين اتصافها بخُلُق الحياء بمعناهُ الحق المتسم بالشمول والتكامل، لا المعنى الذي يكرِّسُ له الإعلام الفاسد وحضارة المادة اليوم!: حُمرةُ الورد وطأطأة الرأس بمواقف عابرة فحسب!، ثم عن السلوكِ ونبيلِ الأخلاقِ وشريفِ العلائقِ لا تسل! .. وعن التزام أوامر الشرعِ المطهر وحسن الأدبِ مع الله تعالى لا تسل .. –إن كان مسلماً- .. وإنَّ أحكامَ الهوى لَشَرائعُ وضعية!! .. قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ ممَّا أدرك النَّاس مِن كلام النُّبوَّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت".[15] فذلك المعنى المُحَجّم المختزل – مع كونِهِ جميلٌ-، لا يمثِّل إلا بعضَ جزءٍ من قيمةِ الحياء كجوهرٍ شموليٍّ تكامليٍّ نفيس، وخُلُقٍ رفيع هو – بحق- عطرٌ للأخلاق أجمع!. نسأل الله أن يهدينا سوآء السبيل .. [1] حسن الإسناد. [2] لا يبعُدُ و لا يغيبُ عن علمه. [3] حديث صحيح. [4] إسناده صحيح. [5] صحيح. [6] انظر شرح الحديث بموقع الدرر السَّنية. [7] أخرجه البخاري في صحيحه. وجاء فيه وهو جزء من حديث الإسراء والمعراج الطويل: "ففرض اللهُ عليَّ خمسينَ صلاةً، فرجعتُ بذلك، حتى أَمُرَّ بموسى، فقال موسى: ما الذي فَرَضَ على أُمَّتِكَ؟ قلتُ: فَرَضَ عليهم خمسينَ صلاةً، قال: فراجِعْ ربكَ، فإنَّ أُمَّتَكَ لا تطيقُ ذلك، فرجعتُ فراجعتُ ربي فوضعَ شطرها، فرجعتُ إلى موسى، فقال: راجِعْ ربكَ، فذكر مثلَهُ فوضعَ شطرها، فرجعتُ إلى موسى فأخبرتُهُ فقال: راجِعْ ربكَ، فإنَّ أُمَّتَكَ لا تطيقُ ذلك، فرجعتُ فراجعتُ ربي، فقال: هي خمسٌ وهي خمسونَ، لا يُبَدَّلُ القولُ لديَّ، فرجعتُ إلى موسى، فقال: راجِعْ ربكَ ، فقلتُ: قد استحييتُ من ربي، ثم انطلقَ حتى أتى السدرةَ المنتهى، فغشيَهَا ألوانٌ لا أدري ما هي، ثم دخلتُ الجنةَ، فإذا فيها جنابذُ اللؤلؤِ، وإذا ترابها المسكُ". [8] رواهُ مسلم. [9] صحيح. [10] رواهُ مسلم. [11] حديثٌ حسن. [12] مدارج السالكين. [13] حديث حسن. [14] صحيح. [15] رواهُ البخاري.