- الرأي - خلود النبهان - جازان : التراث ليس مجرد مقتنيات أو قصص تُروى عن الماضي؛ بل هو روح تتجسد في تفاصيل حياتنا اليومية، تروي حكايات الأجداد وتنير دروب الأجيال. من هنا، يبرز دور الباحثين والمقتنين كحراس لهذه الذاكرة الثقافية، يعملون بلا كلل للحفاظ على هويتنا الممتدة عبر العصور. ومن بين تلك الأسماء اللامعة، تتألق الأستاذة آمال علي أبو طالب، من محافظة صامطة التابعة لمنطقة جازان ، والتي كرست حياتها لإحياء التراث الجازاني والمحافظة على رموزه، لتُصبح شاهدًا حيًا على أصالة الماضي وجمالياته. بشغفٍ وارتباط وثيق بجذورها، استطاعت آمال أن تُحول حبها للتراث إلى رسالة توثق من خلالها الحُلي والمقتنيات التراثية، فتُعيد للأذهان تلك اللحظات الدافئة التي عاشتها الأجيال القديمة، وتجعلها نبضًا حيًا في حاضرنا. الباحثة آمال أبو طالب: عشق التراث الذي بدأ من صندوق جدتي في حديثها لصحيفة "الرأي" أكدت الباحثة والمقتنية للآثار الأستاذة آمال علي أبو طالب، من محافظة صامطة بمنطقة جازان، أن اهتمامها بالتراث بدأ منذ طفولتها، حيث كانت تلازم جدتها – رحمها الله – التي عرّفتها على جماليات الحياة القديمة، بدءًا من الأزياء التقليدية وصولًا إلى المقتنيات التراثية. ومن بين أبرز ما ورثته عنها، صندوق السيسم، الذي تُعدّه ذاكرة حيّة للتراث الجازاني، قائلة: "ما زلت أحتفظ بهذا الصندوق حتى اليوم، وكأنه نافذتي إلى الماضي." صندوق السيسم: رمز الأناقة والتراث تصف الأستاذة آمال صندوق السيسم كواحد من أهم مقتنيات المرأة الجازانية قديمًا، حيث كان يُستخدم لحفظ الملابس والمجوهرات المصنوعة من الفضة والذهب. يتميز الصندوق بوجود خزانة داخلية مكونة من طبقتين تُخصص للعطور والبخور. وعن أنواعه، أشارت إلى نوعين رئيسيين: 1. المزهر: وهو المرصع بالنحاس، مما يمنحه رونقًا فاخرًا. 2. المشجر: المصنوع من الخشب دون أي زينة معدنية. وذكرت أن صندوق جدتها يعود عمره إلى ما يقارب ثمانين عامًا، في حين أن لديها صندوقًا آخر عمره أربعون عامًا، وكلاهما يحمل بصمة ثقافية تعود إلى زمن كان يتم استيراد هذه الصناديق من مدينة عدن. حُلي الفضة: زينة الماضي أما عن الحُلي التي كانت تُزين المرأة الجازانية قديمًا، فقد أبرزت الأستاذة آمال أهم القطع التي كانت تُعبر عن جماليات ذلك العصر، مثل: • الحجل: ويأتي بنوعين؛ المنفوخ والمصمت. • الخلخال: الذي كان يُرتدى في المناسبات الخاصة. • المنبه (المعضد): قطعة فريدة تُلبس في العضد، ويصل عمر إحدى القطع التي تمتلكها إلى أكثر من تسعين عامًا. • العجان (الحزام): الذي كان يُلبس حول الخصر، ويُعتبر من رموز الأناقة الجازانية. وتُشير إلى أن عمر أحد الخلاخيل التي تحتفظ بها يقارب السبعين عامًا، مما يُبرز القيمة التاريخية لهذه المقتنيات. دعوة للحفاظ على التراث ترى الباحثة آمال أن الحفاظ على هذه القطع التراثية وعرضها في المتاحف والمعارض يُسهم في تعزيز الهوية الثقافية وربط الأجيال الجديدة بتراثهم. تقول: "هناك وعي متزايد بقيمة هذه المقتنيات، وأرى أن ارتداءها في المناسبات الوطنية يُبرز التراث بطريقة مبتكرة تُعيد إحياءه." وأكدت على أهمية تعليم الأجيال الحديثة عن تاريخ هذه القطع وقيمتها الثقافية، مشددة على أن التراث هو الجسر الذي يربط بين الماضي والحاضر، ويُعزز الاعتزاز بالهوية الثقافية. التراث بين الأجيال اختتمت الأستاذة آمال حديثها بتأكيدها على أن التراث ليس مجرد مقتنيات قديمة، بل هو روح تتوارثها الأجيال، مؤكدة أن شغفها بالتراث لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتاج ارتباط عاطفي وثقافي عميق مع جدتها، التي ألهمتها حب الماضي والعمل على توثيقه للأجيال القادمة.