لا أعلم كيف من الممكن أن أبدأ كتابتي هذه .. خواطرٌ ومشاعر .. تذهبُ الأولى فتحيرني الأخرى ، ترسمُ لي طريقاً ، الوردُ يحفه من كلتا جانبيه .. الأحمر والأصفر والأبيض وحتى الزهري .. جميع ألوان الورود المنعشة ، وأكاد لا أستطيع وصف رائحتها الملكية الفاخرة التي تمر من أمامي ، الرائحة التي تُسكِرُ الصاحي وتُرقِصُ القائم السّوي .. وهناك من آخر الطريق يأتيني ذلك الصوت الفاتن ، ويناديني بدفئ كلماته وعذوبة صوته وإيقاع حروفه .. وكأنها سيمفونيتها الخاصة التي تتغزل بها " أحبك " أمشي في الطريق اتتبع الصوت لعله يدلني إلى المنادي وعيناي على الوردة الحمراء .. ليس لجمالها ، بل للفراشة التي تقف على هامتها .. فراشة خفيفة الألوان بهيجة النفس تطير من وردة إلى وردة ، تتلاعب مع صديقاتها وترقص على أنغام " اشتقت لك " ليتُ العاشق الولهان ، ولا التائه الحيران ، ولستُ من يوقظني قلق الليل .. فأنا صاحب البال ! لنكمل الحكاية .. قابلتُ صديقي قبل بضعة أيام ، على فنجال قهوة مُعتّقة .. مع كل رشفة تزداد مرارتها فيحلو الكلام .. نظر إلي وقال " أستأذنك فهاتفي يرن ولا بد لي من أن أجيب " ذهب غير بعيد وعاد .. رفعتُ عيناي إليه فتعجبت ! كدتُّ أنظر لمن حولي وبأعلى صوتي أقول لهم كما قال بعض سادات قريش لبعضهم الآخر " نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به " .. عاد صاحبنا والبسمة على شفاهه والفرحة أبلغ من الوصف .. سألته وقلبي متلهف لسماع الاجابة .. - " خير اللهم اجعله خير ! " - " اتصال من الحُب " ردّ مبتسماً هادئاً كعادته - أجبته بضحكة ودهشة " وقعت في الحب إذا ، ونحن نقول من المحال أن محمد يقع في الحب ! " - ابتسم وقال " لا تفهمها بالعكس يا صاحبي " - " كيف ؟ " - " اتصال من صديق يخبرني بحبه لي وحبه لمبادئي وقيمي ، ويشكرني على ما قدمته له ، فقط " أكادُ أحلف لكم يا أصحاب أن فرحته كفرحة من فاز بمليون ريال وأكثر من ذلك بكثير ، بسبب اتصال لم يأخذ الدقيقتين .. نعم يا أصدقائي ، هي كلمة أحبك ، وهي المشاعر الصادقة التي تخرج من القلب إلى القلب .. " انتبه لا تخبر فلان بأنك تحبه ، أو أن افتقدتّ إليه أو تسألأ عنه إلى غاب عن دوامه ، فهو ليس أفضل منك ولا أحسن منك ولا أجمل منك ، لباسه جميل وأنيق ، لكن لا تخبره لكي لا يغتر بنفسه ، ورائحته رائعه ، ولكن إياك ثم إياك أن تخبره " كل هذا الحوار الغثيث والأومر من شياطين الإنس والنفس .. ولا نتذكر مشاعرنا إلا إذا وقفنا على قبره ، ثم نقول له بصوت خفيف " رحمك الله كم كنت حسن الخلق ! " لماذا لا نخبرهم وهم أحياء ؟ لماذا لا نعبر عن قلوبنا للأصدقاء والزملاء ؟ لنسمع الحب الفعلي الذي عبّر به أبو بكر رضي الله عنه لحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم .. قدم الرسول صلى الله علسه وسلم إلى مكة مع أبو بكر ، فعطش الرسول صلى الله عليه وسلم وكان بقرابتهم راعٍ وله قطيع ، فجلب أبو بكر رضي الله عنه ويقول " فشرب - الرسول صلى الله عليه وسلم – حتى رضيت " الله على الحبي الجميل .. حتى رضي أبو بكر اي حتى علم أنه شرب ما يكفيه ! وفي مرة من المرات بينما كنت جالساً في مكتب أخي الكبير ، دخل علينا أحد زبائن المكتب الكبار ، مذُّ طلّ علينا من الباب ورائحة عطره دخلت قبله .. رائحة جميلة وأنيقة ، لمّحتُ إلى أخي ليسأله عن عطره ، ما اسمه؟ وفعلاً سأله عنه .. فرح الرجل بالسؤال فرح يعقوب بعودة يوسف عليه السلام ! - " مشكلتنا والله في عدم اهتمام بعض الناس فينا ، سافرت إلى مدن كثيرة وعواصم عدة وقابلت الكثير من الناس .. قلة قليلة هم من يهتموا في لبسك وعطرك وأناقتك فيسمعوك كلمات حلوة جميلة تسر خاطرك وتصنع يومك " ثم بعد كلماته اعطانا اسم العطر ! سؤال واحد مقصدنا هو معرفة العطر وسعره ! لكن بالنسبة له ، فهذا السؤال دل على اهتمام وتقدير واحترام واعجاب بشيء هو تعب من أجله دفع المال والوقت والجهد ، ليخرج أمامك بحلّة جميلة تسرك وتُسعدك .. في يوم من الأيام بينما كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها جالسة من زوجها وحبيبها وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، بادرته بالسؤال وقالت " كيف حبك لي ؟ " فقال لها " كعقدة الحبل ! " يقصد في متانتها وقوتها .. فكانت تسأله مرة بعد مرة " كيف العقدة ؟ " فيقول " على حالها ! " .. ما حال عائشة رضي الله عنها عندما أخبرها رسول الله بهذا .. اللهم حباً كهذا يا رب . وهنا يبشرنا النبي المطهر صلى الله عليه وسلم رجلان تحابا في الله ، اجتمعا عليه وتفرقا عليه " ما جزاؤهم يا رسول الله ؟ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. دعونا نخبر من نحب بما نحب قبل أن يطير الوقت ولا ينفع الندم ، وما أجمل الحب عندما يكون مع الله يا صاحبي .. نعم مع الله ، الله يكلمنا ويقول لنا " وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " الله يحبني أنا ويحبك أنتَ ويحبك أنتِ .. أي جمال منّه الله علينا ي أصحاب .. إن أحبنا الله فمن يكرهنا ؟ ومن الجميل أن ندعوا الله بدعاء جميل " اللهم حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربني الى حبك " .. وفي منهتى الحديقث .. يا أصحاب فواصل ، من يقرؤون حروفي هذه ممن أعرفهم وممن لا أعرفهم ، أحبكم وأشهد الله على حبكم .. وأسأله أن يجمعنا على حوض حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم .. فالحبُّ كل الحبِّ الحبُّ لكم .