منذ ولادة الإنسان ونشأته في هذه الحياة وترعرعه بين هذا الكم الهائل من البشر، و قد جُبل على المحاكاة لمن حوله ليتعرف على هذه الدنيا ومجريات أمورها، وما أن يكبر ويبلغ أشده حتى يحدد مساره وتنضج أفكاره ويتخذ في هذه الحياة طريقًا مختلفاً بعيدًا عن ماكان قد رُسِم له ، وهذا أمر طبيعي. لكن المزعج في المحاكاة أن تبقى نسخة لمن حولك، وتكون كالإناء يمتلئ بفكر كُلِ تيار حتى تجد نفسك متخم من كثرة التوجهات وتشعب الإرادات، فلا تبرح مكانك حتى تسقط في بحار التية والضياع، وتبقى بلا فائدة ولا انحياز لرأي أو قضية أو تناشد هدفًا تسعى لتحقيقه وتتخطاه إلى ما هو أعظم وأسمى.
الخروج من دائرة العرف والتقاليد وما يصوره المحيط بالصعب والمستحيل أمر من الصعوبة بمكان؛ لأن الإنسان يقع تحت ضغوط عدة …ضغط الفشل، وضغط الخوف من المستقبل، وضغط المجتمع المحيط وبما يرسمه من احباط وخلق سابع المستحيل، وضغط الشك في القدارات وعدم تحقيق المُراد، ووووو ….. إلى أن ينتهي بك المطاف إلى أمرين لا ثالث لهما : إما نجاح وشق ذاك الطريق بما يتمخض عنه من مصاعب فتتحمل ذلك لتحيا وتتميز، وأما أن ترضخ لكذبة المستحيل والعجز والإحباط … إن تكرار النسخ من البشر وحب النمطية يجعل الحياة بلا حياة.
أدرك مابقي من الحياة بسريان الحياة فيها، واخرج من نمطيتها بفاعليتك فيها، ليس كل ما توارثناه من الآباء صحيح وليس كل ما ترعرعنا عليه سليم ثمين … حباك الله عقلًا وفكرًا نيرًا فلماذا تأخذ من غيرك مالا يليق بك، وتعيش مسلوب الإرادة والتفكير.