بقلم | د. عبدالله بن عطية الخرماني في عام 2015 وقعت إيران ودول مجموعة (5+1) ممثلة (بالصين وفرنسا وألمانيا ، و الإتحاد الروسي والمملكة المتحدةوالولاياتالمتحدةالأمريكية والممثل الأعلى للإتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية)، على خطة العمل الشاملة المشتركة طويلة الأمد ويضمن التطبيق الكامل لهذه الخطة طبيعةَ البرنامج النووي المقتصرة على الأغراض السلمية، حيث تعهدت إيران بأن هذه الخطة ستسمح لها بالمضي قدماً في برنامج نووي يتم تطويره محلياً لأغراض سلمية، وترتب على هذه الاتفاقية الرفع الشامل لكافة العقوبات التي فرضها مجلس الأمن في الأممالمتحدة، والعقوبات التي فرضتها كل دولة على حدة، وشمل ذلك الخطوات المتخذة لتأمين منفذ لإيران إلى ميادين التجارة، والتكنولوجيا، والتمويل والطاقة. ولكن كما هي العادة في مثل هذه الدول الخبيثة التي تتبع استراتيجية ” التمسكُن حتى التَمَكُن “، فقد بدأت إيران في نشر سياساتها العدائية ودعمها المتواصل للجماعات الإرهابية التي تسببت في تشتيت بعض الأوطان العربية في المنطقة، وتشريد ملايين الأبرياء، وبدلاً من العمل على رفاهية الشعب الإيراني وتطويره وازدهاره ذهبت الى استغلال العائد الاقتصادي بعد رفع العقوبات عليها بموجب الاتفاقية، لدعم الحوثيين في اليمن وامدادهم بالصواريخ الباليستية التي يستخدمونها ضد المملكة العربية السعودية. لدى إيران المدعية بحمل لواء الإسلام تجاه المملكة العربية السعودية مهد الإسلام وقبلة المسلمين عداء واضح وحقد دفين تحكمه اختلافات عقائدية منذ القدم، يظهر دائماً في تصريحاتها ومحاولاتها الدائمة لزعزعة أمن المنطقة، والتحالف مع أعدائنا، لذلك كان لابد وأن تتخذ المملكة موقفا حاسما تجاه إيران لإيقافها وتحجيمها. إن السياسة وإلاقتصاد بينهما رابط وثيق تحكمه المصالح، وغالباً لا توجد ضوابط يؤخذ بها ولا تُعطى أدنى قيمة في هذا المجال للعوامل الإنسانية، الرابح هنا مَن يعرف ” من أين تؤكل الكتف! “، وكيف يُسير الأوضاع في اتجاه مصالحه ومصالح شعبه، لذلك فإن المملكة العربية السعودية متمثلة في قيادتها الرشيدة ومن منطلق حرصها على مصالح شعبها ومصالح الأمتين العربية والإسلامية، أدركت جيداً في أي اتجاه يجب أن تسلك وأي استراتيجيات يجب أن تتبع؛ فذهب سمو ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، ذلك الرجل الواعي الذي حدد فوراً وجهته، وعرف كيف يضغط على أمريكا في رسالة واضحة منه لها أن المصالح الكبرى تكون في كسب رضا المملكة، فبدأ في رحلته الأخيرة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية بطرح المشروعات الإقتصادية والترفيهية وإعطاء التراخيص وفرص الإستثمار للشركات الأمريكية لإقامة مشاريع كبرى في المملكة. هذه الخطى الذكية التي خططت لها المملكة هي التي أجبرت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015 ووصفه إياه بالكارثي، وإعادة العمل بالعقوبات المفروضة على طهران، ونبه ترامب في تصريحه على أن كل بلد يساعد إيران في سعيها إلى الأسلحة النووية يمكن أن تفرض عليه الولاياتالمتحدة أيضا عقوبات شديدة، كما قال أيضاً: لدينا اليوم الدليل القاطع على أن الوعد الإيراني كان كذبة، وهذا بالضبط ما قصدته في بداية حديثي عندما قلت أن إيران تتبع استراتيجية “التمسكن حتى التمَكُن”، فهي عندما وعدت كانت تسعى بخبث إلى امتلاك سلاح نووي تهدد به المنطقة من حولها، وقد ظهر ذلك خلال العامين الماضيين. لاقى قرار أمريكا الأخير تأييد كبير وترحيب من الدول الخليجية والعربية، ولكن لابد وأن يكون هناك معارض يرفض القرار، وجميعنا يعرف أن الذي عارض الإنسحاب لديه مصالحه الخاصة الآنية الضيقة الأفق مع إيران، ويشكل تحالفاً معها في دعم الإرهاب وله منفعة من وراء الصراعات المسلحة التي تقف خلفها إيران. والآن وبعد أن عادت إيران الى حجمها الطبيعي عقب التصريح الأمريكي الأخير، يجب عليها أن تلتفت إلى مصالحها وتجد حلولا للخروج من أزمتها الإقتصادية القادمة خصوصاً بعد إعادة فرض العقوبات عليها، وأن تتخلى عن رغبتها الجامحة في السيطرة على الشرق الأوسط وتترك ساستها المخضرمين يرتبون أوضاعه ويرسون قوامه.