بقلم | عواطف الغامدي لا شك أنّ روتينة هذا الفعل جعلت منه شيء هامشي وعمل شاق وواجب لابد من اتمامه وحتى أنه يشكل عبء على سيدات المنزل، حيث أننا كثيرًا ما نقوم به بتذمر وبلا تركيز ويقظة تامّة، حتى أنه يصاحبه سؤال دائم كيف نعيش في العصر الحديث ومع الحضارة والتطور التكنولوجي والتقني ووصلنا إلى ال٢٠١٨ وإلى الأن لم نجّد حل جذري لمعضلة غسيل الصحون هذه يارجل؟ لكن دعنا هنا نأخذ الموضوع من زاوية أخرى هي زاوية غسيل الصحون والإعتناء بالوجود والإهتمام بالخصائص الروحية والنفسية لطالما كانت أبجدية هذه العملية وحركاتها تدهشني حتى تقنياتها الدقيقة مثل كيف توازن درجة حرارة الماء المنساب ببراعة، وكيف تقوم بإحترافية بقياس الكمية المضبوطة التي تحتاجها من سائل التنظيف دون زيادة ونقصان، وكيف تمرر الرغوة على الصحون، حتى الصورة الشاعرية التي تسقط فيها قطرة الماء وتتمدد على الدهون وأيضًا عصر هشاشة الاسفنج بحقد ورؤية الأصابع المنكمشة. الإنشغال في هذه الأفعال تهذب العقل والجسد وتحرر الذهن للتفكير العميق فأنه بقدر ماتتوالد الصحون تتوالد الأفكار معها وتوفر لك فرص للتخلص من سلبياتك، أو أفكارك السيئة وكل ما يكبّلك لإتخاذ قرارات شخصية حاسمة وأفكار إبداعية في حياتك، كذلك تشعرك بالذّة والخفة التي تنتابك بعد الأنتهاء من تنظيف مكان تغمره الفوضى، أيضًا أنها من الممكن أن تكون فرصة جيّدة لسماع كتاب صوتي أجلت سماعه كثيرًا! حيث أكدت على ذلك دراسة حديثة أجريت في جامعة فلوريدا أن ٢٧٪ هي نسبة تخلصك وتخففك من الضغوط النفسية بعد غسيل الصحون، وتشير الدراسة إلى فضيلة غسل الصحون في تحفيز الدماغ البشري والحالة الذهنية له. والشيء بالشيء يذكر حيث أنني هنا لا أتفق مع رأي الأدبية الأنجليزية فرجينيا وولف في كتابها (غرفة للمرء لوحده) الذي عبرت فيه أن غسيل الصحون يقف ضد الكتابة والتأليف وأرد عليها بتطبيق عملي عندما زارتني فكرة هذا المقال أثناء عملية غسل الصحون البارحة، كذلك الروائية أجاثا كرستي ملكة الجريمة التي تهتدي لحبكة روايتها عن طريق غسيل الصحون وقالت: “أفضل وقت للتخطيط لكتاب هو أثناء غسل الصحون” .وأيضًا جورج أورويل عندما أخذ الخطوة الحاسمة لإعداد نفسه للكتابة استقال من مهنته وسافر إلى باريس وعمل في غسيل الأطباق في مطاعم فرنسا وفنادقها وقد أهدت هذه الخبرات لأورويل مادة كتابة “مستعطل في باريس ولندن”. كما أن في غسل الصحون شيء من حميمية التفاصيل ودفء الحياة اليومية الذي عبرت عنه سناء خوري في مقال كتبته عن جارتها في البيت المقابل التي تترك شبابيكها مفتوحة، وتقضي أيامها في الجلي وتنظف الصحون وتلمعّ رفوف الخزانة والتنظيف بمهارة وانتظام كل تلك الظروف اليومية هي التي تضبط إيقاعك النفسي وتصفي ذهنك.