بقلم | فاطمة الجباري كلمة “سفر” تعني رحيل وفي معنى آخر الكشف والإظهار، ربما توجد صلة وثيقة بين المعنيين رغم مايبدو بينهما من بعد ، فالسفر كما يقولون يُسفرعن معادن الناس وأخلاق الرجال وهو معنى مشترك في أمثال الأمم والشعوب وأيضاً يكشف السفر للإنسان عن زوايا جديدة في نفسه وفي العالم وفي وطنه بخوضه لتجربة مختلفة ورؤيته مدى الأتفاق والأختلاف بين البشر ومايراه الناس عن السفر يظهر ارآئهم عن رحلاتهم . وكما قال الأمام الشافعي من رواعه الأدبية: سافر تجد عوضاً عمن تفارقه وأنصب فإن لذيذَ العيشِ في النصبِ إني رأيتُ وقوفَ الماء يُفسده إن ساح طاب وإن لم يجرِ لم يطبِ أتفق معكم أن السفر للبحث عن الإستجمام والراحة والهدوء والتغيير وتجديد النشاط والحيوية والتعرف على حضارة البلاد الآخرى مطلب من مطالب الحياة، يختلف في ضرورته وأهميته باختلاف أسبابه ودوافعه وأن أتفقنا أن الأغلب يسافر للبحث عن المتعه . في السابق كان يرى العلماء أن السفر للخارج لايجوز إلا في حالات معينه لطلب العلم أوالدعوة أو العلاج أوطلب الرزق وماعدا ذلك من الأسفار لايجوز بل أجمع البعض على تحريمه على اعتبار أن تلك البلاد بلاد كفر وفجور وفسق . وأن السفر المباح يكون من أجل المقاصد التاليه في قصيدة الأمام الشافعي: تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلى **** وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ تَفَرُّيجُ هَمٍ وَاِكتِسابُ مَعيشَةٍ **** وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِدِ فَإِن قيلَ في الأَسفارِ ذُلٌّ وَغٌربَةٌ **** وَقَطعُ فَيَافٍ وَاِرتِكابِ الشَدائِدِ فَمَوتُ الفَتى خَيرٌ لَهُ مِن حَياتِه **** بِدارِ هَوانٍ بَينَ واشٍ وَحاسِدِ ومع قدوم إجازة الصيف وارتفاع درجات الحرارة في بلادنا يهرع الناس بحثاً عن الأجواء الباردة التي تمتاز بجمال الطبيعة ولسان الحال يردد(ثلاثة تطيل في العمر الماء والخضرة والوجه الحسن) بحثاً عن المتعه والتغيير. وهنا سأتحدث عن أحوال المسافرين في وقتنا الحاضر مابين القدرة والتقليد، بشيءً أكثر وضوحاً وصراحة وشفافية . هل كل من سافر للخارج لديه قدرة مادية لدفع تكاليف السفر؟ هل كان هناك تخطيط مسبق للسفر وأعداد ميزانية بالتكاليف المادية؟ هل كان لديه علم مسبق بأسعار التذاكر والفنادق والمواصلات والمطاعم والأسواق والفرق بين العملة المحلية والدولية؟ هل لديه معلومات سابقة وتصور كامل عن طبيعة البلد التي سيزورها من حيث الناس والمجتمع ؟ للآسف بعد بحثاً مستفيض وسؤال المعارف الذين سبق لهم السفر وجدت أن الأغلبية قرروا السفر خلال الصيف دون تخطيط مسبق ولا أعداد ميزانية وليس لديهم معرفة بالأسعار والتكاليف ولاطبيعة البلد التي سيسافرون إليها . كل مافي الآمر أنهم يرغبون بالسفر لأن الناس تسافر في الصيف !! بل أن البعض يقترض من البنك ليعيش اللحظة ويستمتع بالموجود مقابل المفقود !! بات البعض يسعى لمواكبة الآخرين ومجاراتهم وتقليدهم يسعى للذة المؤقته والبهرجه الزائفة من تسليط الأضواء وجذب الأنظار رغبة في آرضاء الآخرين قبل نفسه . أصبح تقليد المشاهير عبر السوشيال ميديا هي العالم المبهر المختلف الذي يدفعنا للمباهاة ليس إلا !! غابت العقول تحت تأثير التقليد تقاس الأمور بميزان عجيب فلان من الناس سافر إذا حتماً ولابد أسافر مثله حتى لو لم أملك المال وليس لدي قدرة مادية. ثقافة مجتمع بأس أخترقت السوشيال ميديا العقول وأستطاعت تغيير المفاهيم والقناعات لدى الكثير من المجتمع وخصوصاً النساء. أستمتع بإجازتك وتعامل مع ظروفك بذكاء وحكمة بالغة وخطط لها وفق إمكانياتك المادية والمعنوية. أستمتع وسافر أينما تشاء لكن وازن بين حياتك قبل وبعد . أحدى الأخوات حين سألتها عن سفرها لأحدى الدول العربية وأنا أعلم بظروفها المادية وظروف زوجها قالت اخذنا قرض من البنك وسافرنا !! بل سمعت من بعض الأخوات أنها باعت ذهبها وأثاث بيتها وباع زوجها سيارته ليسافر مقابل متعه محدودة لا تتجاوز أيام معدودة!! والبعض الآخر يسافر وعليه التزامات مادية أساسية مثل إيجار البيت وفواتير الكهرباء والماء والهاتف وحقوق للآخرين مثل دين أو جمعية يترك كل شيء خلفه ويذهب للبحث عن المتعة المؤقتة. طرح مثل هذا الموضوع ليس اعتراضاً على السفر ،وليس انتقاص لطبقة ذوي الدخل المحدود بل على الطريقة التي يتم بها ذلك السفر فقد أعمت السوشيال ميديا أنظار الكثير عن الحقيقة ليعيشوا الزيف المؤقت . تعمدت الحديث عن ذلك لأن المجتمع يجب أن يكون لديه ثقافة ووعي وإدراك بأن ليس كل مايعرض يوافق الجميع . ألا ترون أن سيد الموقف والممسك بزمام الأمور وربان السفينة هو التقليد من أجل التقليد. سفر مقابل متعة مؤقته ترهقني وترهق أسرتي نفسياً ومادياً وتحرمنا الكثير من الضروريات و الاستمتاع بالحياة، من آجل آرضاء الآخرين والمباهاة والتفاخر والركض وراء وهم أسمه السوشيال ميديا!! بقلم / فاطمة الجباري