بقلم | قالط محمد بن ادريس الحمد لله على قضائه وقدره والشكر له دوما على وافر نعمه وجزيل مننه وبعد .. فقد تعرضنا هذه الايام الى محنة وابتلاء ثم تلاها منحة وعطاء وذلك بحمد الله جل وعلى. نعم فقدنا والدنا وحبيبنا ومربينا وباب من أبواب الجنة أغلق مع وفاته رحمه الله وهذا أمر الله ولا إعتراض عليه لكنه ظلال وارف إنقشع عنا فافتقدنا بذلك زيارته ورؤيته ومشاهدته وتقبيله و ملامسة جسده ووجهه وتدليك يديه وقدميه وتقبيلهما والتحليق حوله وقت الزيارة ومقابلة اقاربه ومحبيه عنده، فقدنا الشوق لزيارته ورؤيته في وقت وجيز والدعاء بخضوع وخشية بأن يشفيه ربي ويعافيه ويمتعنا به زمنا! فقدنا بفقده فضل زيارة المرضى في العناية المركزة والتي استمر وجوده فيها 73 يوما تقريبا. نسأل الله له الفردوس الاعلى ووالديكم جميعا، ومهما كتب أبنائه وبناته عنه فإنهم لن يستطيعوا إيفاءه حقه عليهم. ليس لأنه والدنا وليس لأننا أبناءه ..؟ ولكن لأنه رحمه الله تعالى يختلف عن كثير من الأباءوكل شخص يفتخر بوالده ولا غرابة . ولكن حديثي عنه مختلف بإختلاف الحال، مع أن الكثير منكم يعرف عنه الكثير وخاصة كبار السن من الأقارب والجيران والمعارف والذين حضروا معنا في المسجد والمقبرة وزارونا للتعزية فكنا نحن أحسن حالا منهم فقمنا بتعزيتهم وتصبيرهم وتذكيرهم بالله وفضله ورحمته فجزاهم الله عنا خيرا. لاحظت يوم وفاته رحمه الله تعالى في المسجد والمقبرة شيئاً فاق التوقعات ومع أنه أصبح طريح فراش فقد كانت وفاته قوية على كثير من الناس حتى أصبحنا نحن الذين نعزيهم ونشاطرهم الهم والحزن كما أسلفت لكم. وقد كتب أخينا العزيز عبدالله العابسي حفظه الله مقالة عاجلة عنه ومليئة بالحزن والصور الجميلة عنه ولعل الكثير لم يفهم آخر سطر منها، فمن المواقف والصور الجميلة في حياته رحمه الله وهي كثيرة أنه كان يتألم رحمه الله ويريد منا شيئا ثم لا يستطيع الكلام معنا بوضوح فيشيح بوجهه ويستغفر ويشكر الله ويحمده ويكثر من الذكر، وكأنه لا يريد منا شيئاً ومنها أننا طول فترة مرضه رحمه الله لم نسمعه يتألم بصوت مرتفع ولا يشكو على أحد من الناس مهما كان قربه منه، وكان يكثر من ذكر الله وشكره وحمده، ووالله لقد كان فيه جروح وآلام تهد الجمال ولكن كان صبره عليها إعانة من الله له ومن الأمور العجيبة سهولة مراجعاته ومرافقته ومصاحبته في المستشفى لمن كان معه رحمه الله، فبعض المرضى كبار السن خاصة عذاب على أهليهم ومرافقيهم وأولادهم وأماكن تواجدهم وانتم تعرفون ذلك، ومنها أنه عندما يسمع أحد يقرأ عليه فإنه يصغي له بسمعه ومشاعره وقد جربت هذا معه في رمضان وقد ختمت عند رأسه ختمة كاملة بفضل الله وبعد كل قراءة يسترخي وينام ويدخل راحة عجيبة وكأنها حقنة علاج مسكن ولا عجب ففيه شفاء للناس. ومنها أنه لما ارتفعت وظائف الكلى وظننا أنه مودعنا لا محالة بقي وقتا أكثر مما هو معروف عند الأطباء بمن هم في مثل حالته رحمة الله تعالى عليه وعلى والديكم أجمعين . ومنها أنه كان يعامل الصغار وكأنهم في مثل سنه ويحترم الجميع وكأنهم أصحاب فضل عليه ويسأل عن الكل وكأنهم أبناءه وينصح من يقابل ممن يحتاج النصح وقد يكون قاسياً أحيانا ولكنه مقبول . لم يدخل مدرسة ولكنه يقرأ القرآن بسهولة ويكتب أحيانا بخط عجيب ! . قصة زيارته لأخي الفاضل أبا منصور أنه كان في أواخر عمره لا يفطر رمضان الا في البيت ويكره أن يلتزم مع أحد للإفطار وذات يوم قبل حوالي عشر سنين اتصل بي ابا منصور وطلب مني أن اخبر الوالد برغبته بزيارته له وتناول وجبة الإفطار عنده فعرضت الأمر على والدي رحمه الله فوافق مباشرة وقال كلمة مفادها عبدالله يستاهل نجيب دعوته ونزوره فكانت تلك الليلة جميلة بجمال من حضر من الجيل الحديدي وصاحبنا أبا منصور جزاه الله خيرا وبارك فيه . ومنها أيضا أن اسلوبه مع الاطفال عجيب وممزاحته لهم ومشاركته لهم في بعض اكلاتهم تشعرهم بمحبته لهم. والشوق الى الحديث معهم رغم انه مقعد على سريره مما جعلهم يحبونه ويستأنسون معه أكثر من غيره مع أن فيه ما فيه ويكفيه . خاتمة المطاف أن مفارقة الاحباب وخاصة الوالدين لها وقع كبير في النفوس وخاصة مع بعد اماكنهم ولكن دعواتنا لهم لا تتوقف والله يجمعنا بهم في الفردوس الاعلى من الجنة . لكل بداية نهاية ولكل شخص قصة ونهاية والعبرة بالخواتيم . طاعة العبد لربه تجعله قصة غالية . وتسكنه الجنة العالية. شكر الله لكم مشاعركم الطيبة الجياشة وتقبل دعواتكم وغفر له ولكم ولوالديكم جميعا وأصلح لنا ولكم القول والعمل والنية والذرية، ولعلي من هذا المكان اطلب ممن كانت له حقوق أو مظلمة مع والدي أن يتواصل معي أو مع أحد اخواني ونحن مستعدون بإذن الله، أستودع الله والدي في قبره وفي برزخه ومحشره ومنشره، وأستودع بكم الله إلى لقاء آخر . والسلام عليكم ورحمة الله