إلى من رباني صغيراً، ورعاني ووجهني ونصحني قبل وفاته، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة. إلى من أمرني الله تعالى أن أخفض له جناح الذل من الرحمة، إلى من فقدت بفقده أباً كريماً وهامة شامخة. إلى من سألت الله أن يرزقني بره بعد وفاته. فأكتب لك هذه الرسالة المهداة إلى روحك الطاهرة - بإذن الله تعالى - لتهدئ لوعة الفؤاد بعد أن حال بيننا وبينك عالم البرزخ ولتكون سطوراً تنوب عن التواصل الحميمي بين العطاء والوفاء، ولتكون نوعاً من رد الجميل والاعتراف بالفضل بين الأبناء والآباء. غفر الله لك يا والدي وتجاوز عنك، وتغمدك بواسع رحمته، وجزاك الله عني وعن والدتي وإخواني وأخواتي خير الجزاء يا من كُنت لنا بحق الأب الحنون، والأخ الكريم، والصديق الصدوق، ولإخوانك وأخواتك وأبناء إخوانك وأبناء أخواتك وللجيران وللأرحام وجميع من يعرفك، وأسأل الله أن يجزيك خير الجزاء، ويُعظِّم أجرك وأن يجعلنا من بعدك من الصابرين، عفا الله عنك يا من أكرمت الضيف والقريب والبعيد واحترمت الصغير قبل الكبير. فكان الناس في فترة مرضك يتكبدون عناء السفر من جميع مناطق المملكة لزيارتك في المستشفى والدعاء لك طول مدة مرضك لتقر أعينهم بك في آخر أيامك في الحياة الدنيا، ويؤدوا لك ولو جزءاً يسيراً من واجب بِرِّكَ عليهم ما داموا على قيد الحياة. أجزل الله ثوابك يا من ابتُليت بالمرض الشديد فصبرت وشكرت؛ فقد رأيناك تتحمل الآلام والأوجاع الشديدة بنفسٍ راضيةٍ إن شاء الله تعالى، ولسانٍ شاكرٍ حامدٍ لله سبحانه، ولم نعلم أنه قطرت من عينك دمعة، أو بدر منك قولٌ، أو صدر عنك فعلٌ يدل على جزعك أو تسخطك أو عدم رضاك بما قدّره الله عليك من البلاء والمرض، والله نسأل أن يكون ما أصابك تطهيراً لك من الذنوب والمعاصي، وحطاً للخطايا والآثام، إيماناً منا بأنه ما من مسلمٍ يُصيبه أذىً من مرضٍ فما سواه إلا حطَّ الله به سيئاته كما تحطُ الشجرة ورقها، كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.. تجاوز الله عنك يا من كنت قريباً من الناس، حبيباً للجُلاس، لطيفاً مع الصغار والكبار حتى أحبك الجميع واحترموك. ومن المواقف التي ترسخ في الذهن ولن أنساها عندما كنت تدخر المال لتحج عام 1388 بوالدتي - رحمكما الله جميعاً - وكان الحج في ذلك الأيام يكلف والموارد بسيطة وعلمت بأن أحد الأقارب لديه مزرعة منتجة وتعطلت بعض معدات الري ويحتاج إلى مبلغ من المال لصيانة معداته الزراعية وإلا سوف تتلف مزرعته، فأجلت الحج وأعطيته المال اللازم لصيانة واستبدال معداته الزراعية، وآثرت قريبك على نفسك بإعطائه هذا المال الذي خصصته للحج. ومن المواقف التي أظهرت تكافلك الاجتماعي التقيت بجار لنا انقطع عنا ما يقارب الأربعين عاماً وهو الأستاذ عبدالمحسن أحمد الحزيمي مساعد مدير مدارس الرياض سابقاً، وذكر بأنه طول هذه الفتر لم ينس والدي ودائماً يذكر مواقفه المشرفة مع الجميع. ومن هذه المواقف أن أحد أبناء الجيران وأخاه ضلا الطريق الذي يوصل للمخيمهم الذي يبعد ما يقارب الخمسين كيلو متراً في صحراء المجمعة فاستعانوا بوالدي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل لإيصالهم للمخيم ففعل دون تضمر أو إزعاج. ومن المواقف المحفورة في فؤادي عندما نلت شهادة الصف السادس الابتدائي فأراد إقامة حفلة النجاح وبالفعل ذهب بي للسوق واشترينا أغراض ولوازم الحفلة ولما هممنا بغادرة السوق بلغه أحد الأشخاص بأن أحد الناجحين يتيم ولا يملك المال الكافي لتكاليف حفلة النجاح فما كان منه إلا أن ذهبنا إلى بيت ذلك اليتيم وأعطيناهم جميع ما اشترينا لكي يدخل السرور إليهم بنجاح أبنائهم. يا والدي لما سمعنا بنبأ وفاتك بكتك الأعين، ودعت لك الألسن، وترحم عليك من عرفك ومن لم يعرفك، ولسان حالهم يقول: الله يغفر له ويرحمه. ودمعتي على خدي,,,,, كم أتمنى رؤيتك والاقتراب منك ولمسك.. أفتقدك مع كل حدث في حياتي.. أفتقدك مع كل فرحة أمر بها.. أفتقدك مع كل دمعة أتمنى أن تمسحها.. أفتقدك في كل لحظات حياتي. أشتاق لرؤية عينيك تنظر إلى ووجهك يبتسم لي.. ولكني لا أستطيع رؤية كل هذا إلا عندما أنظر إلى رابطي الوحيد بك التي هي مجرد صورة!! تألمت كثيراً عندما ذهبت ورأيت مقر عملك، فقد شعرت بك وكأنك موجود في ذلك المكان والطرقات والمزارع والمنازل وأحسست بوجودك فغمرتني فرحة لن أنساها مادمت حياً.. ولكن سرعان ما عدت للواقع المرير بعد ذلك.. كم أتمنى أن أعرف هل أنت راض عني أم لا؟ كم أتمنى أن أعرف هل تفتخر بي كما أفتخر بك؟ كم أتمنى لو تأتيني بأحلامي وأراك تتحرك أمامي وتتكلم معي وأسمع صوتك ولو للحظة.. ولكن مع كل ذلك ما زلت على نفس حالي وما زلت أنت ميت هذه الحياه!! فأنت تسري في دمي ووجداني وما زلت تعيش معي بداخلي.. حبي المدفون: أحبك...يا أطهر قلب في الوجود أحبك...يا أحن أب في هذه الدنيا أحبك وسأظل أحمل لك في قلبي حباً لم يعرفه ولم يشعر به أحد فأشعر به سوى الذين يطلبون من الله أن يكونوا بارين بوالديهم. افتقدتك يا عشق حياتي وذاتي. العميد م- عبدالرحمن الحقيل