الكابتن زافل زميل دراسة بالولايات المتحدة الاميركية ، شاب من هنقاريا أخلاقه عالية ولديه من الحكمة مايثير الإعجاب ، كان كثيرا مايزورني بغرفتي قبل غروب الشمس لمراجعة بعض الاوراق وصولاً الى طبخ عشاءنا المُبكر بأيدينا ، وكثيرا ما كنت اسأله عن هنقاريا البلد الذي خرج للتو -آنذاك - من عباءة الشيوعية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي . وبالأمس القريب قرأت في صحيفة لكاتب عربي قصة لطبيب مهاجر من هنقاريا فتذكرت هذا الزميل الهنقاري الذي روى لي ايضاً تفاصيل تلك القصة. كان زافل شديد التأثر وهو يشرح الفقر الذي يعاني منه الهنقاريين ومستوى الاقتصاد السيء وهيمنة الحزب الحاكم على كل شيء قبل التحول ، أما قصة الطبيب التي ذكرها لي بفخر عن بلاده ونحن في تلك الغرفة الضيقة فيذكر أنه كان هناك طبيب قديم من بني قومه اسمه (إيغناز شيمليس ) مهنته أخصائي توليد نساء ، ولضيق الحياة والفقر قرر الرحيل الى فيينا للبحث عن وضع معيشي أفضل وبالفعل وجد فرصته ومارس نفس تخصصه بالنمسا ، وقد لاحظ هذا الطبيب ان هناك إرتفاع في نسبة وفيات الامهات بعد الولادة ، وتوصل الى أن سبب ذلك هو عدم تنظيف الإطباء لأيديهم بعد إجراء عمليات جراحية لمرضى آخرين قبل قيامهم بالاشراف على توليد النساء ، فتوسل هذا الطبيب المهاجر الى زملاءه بأن ينظفون ايديهم ويعقمون أدواتهم بالمطهرات بعد تلك العمليات للتخلص من الجراثيم ، ولكن دون جدوى فقد قوبلت انسانيته واجتهاده وتواضعه بسخرية وإزدراء!! فمن هو هذا الطبيب المهاجر الذي يريد أن يعلمنا ؟! وبالطبع استمر الموت يحصد ارواح النساء على اثر الولادة حتى قرر المستشفى لكن بعد حين تطبيق اقتراح الطبيب الهنقاري فلعلها تنقذ مايمكن ... وكانت المفاجأة فقد ثبت وبالدليل أن الجراثيم كانت السبب المباشر القاتل للأمهات بعد الولادة!! ، في حين كان الأطباء تمنعهم جرثومة التكبر والغرور من الإصغاء لفكرة زميلهم الطبيب التي أصبحت درساً لأطباء العالم عن تأثير الجراثيم. فياترى كم يموت من الناس الآن نتيجة لغرور المتهورين والمتكبرين الذين يعتبرون النصيحة أو المشورة إنتقاص لهم ولمؤهلاتهم وقدراتهم ؟!! . هل يمكن لمن لايخضع للمنطق ولا يصغي للنصيحة ولا يستنير برأي الآخرين أن يتعلم ؟؟ كلا بل سيُخرب ويتخبط وربما يتسبب في ازهاق ارواح الأبرياء سواء كان ذلك المغرور شخصاً بسيطاً لايجيد القراءة أو ممن يحملون أعلى المؤهلات المهنية. سبحان الله لو تواضع جناح التوليد في مستشفى فيينا لمشورة الطبيب الهنقاري المخلص لما انهت الجراثيم حياة الأمهات بشكل محزن ...، وكم ياترى من الجراثيم الآن تحتاج الى من يكنسها من رؤوس المتعجرفين والمتعالين والمغرورين وأدعياء المعرفة في مجتمعاتنا سواء كانوا في الشوارع أو بالدوائر الرسمية أو في المجالس العامة أو في جناح التوليد بالمستشفى ؟!. الأمر ببساطة متناهية يحتاج الى: ثقة وشجاعة وصدق... لكن المتكبرين فاقدين لها. اللهم اجعلنا في هذا البلد الطيب من الماشين على الأرض هوناً قولاً وعملاً. عبدالله العابسي