" أخو من طاع الله " نخوة أصيلة جمعت بين الدين والشجاعة، وأصبحت نواة لجيش من الإخوان أخذ على عاتقه توحيد المملكة، لم تكن هذه الجملة بدعاً من أحد بل هو مبدأ إسلامي حميد من عهد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. الإخوان لهم قصص ومآثر يتناقلها الرواة الثقاة تشبه إلى حد بعيد ماكان عليه السلف في العهود الإسلامية الأولى. لم تكن الغالبية الساحقة منهم متعلمون بل معظمهم لا يقرأ ولا يكتب بمن فيهم بعض قادتهم، ولكن الفطرة سليمة والحق أبلج لمن ابتغاه. أصبح جيش التوحيد بكامله من الإخوان البادية باستثناء القضاة المرافقين للجيش والكتبة وجميعهم من الحاضرة، لم يكن الجميع على درجة واحدة من التدين بل لم يكن بعضهم من الإخوان بما تعني الكلمة، منهم من همه توزيع الغنائم وكسب الخيل وسلب الإبل، وهو نوع من البلطجة بالمسمى الحديث، وهي بلطجة غُض عنها الطرف لكونها إحدى الأسلحة الفتاكة لإرهاب العدو ووهي أيضاً مكافأة للمحاربين الذين لا يتقاضون سوى التمور أو الحبوب ونادراً جداً من يحصل على النقد. الإخوان يتكلمون باسم الدين ويحاربون باسم الدين ويأكلون باسم الدين ويفتحون القرى والبلدات باسم الدين، ومن هنا لم يستطع أحد الوقوف ضدهم وأصبح الوضع السياسي خطيراً جداً ولابد من إيجاد سبب مقنع أمام العامة للإطاحة بالإخوان ورؤوسهم. ما أن توقفت الفتوحات وهدأت الجبهات حتى بدأت معها تطلعات بعض قادة الإخوان السياسية تبرز إلى السطح بقوة فلجأت الدولة إلى توطين البادية بغية إشغالهم في الزراعة والتجارة وتحديد أماكنهم حتى يسهل الوصول إليهم، إلا أن هذه الخطوة لم تكن بالكافية لكبح طموحاتهم وتزامنت مع رفضهم لبعض التقنيات الجديدة التي ظهرت في ذلك الوقت وهو رفض قد يستغربه البعض ولكنه لا يستغرب في حقيقة الأمر، فقد تقنع شخص شاهد الطيارة وركبها بوجود الصواريخ ولكن لن تستطيع إقناع بدوي قح لم يعرف في حياته إلا السيف والخيل والإبل بفكرة نقل الصوت لاسلكياً وهو لم يرى السلك بذاته بعد. حلّت بالإخوان نكسة السبلة، إلا أن هذه النكسة لم تعيق أبناء الجزيرة من ولاة أمر ورجال دين وشيوخ قبائل ومواطنين من الاستمرار في مسار إخوان من أطاع الله، ولكنه مسار مهذب تم تقنينه ليكون وسطياً. انتقل فكر الإخوان إلى خارج المملكة بعدة طرق أهمها الحج والزيارات الرسمية قبل وقعة السبلة وأصبح توجه الإخوان يجمع بين الدين والسياسة والاقتصاد وأصبح لهذه الجماعة ثقلها السياسي خاصة في مصر، وشعر بخطرهم الرئيس جمال عبدالناصر فجرد سيفه واستغل شعبيته التي انكشفت خباياها فيما بعد وقام بتشويه صورتهم ومعتقدهم والنيل من أفكارهم والزج بهم في غياهب السجون وقتل الشيخ الجليل مؤلف كتاب في ظلال القرآن الشيخ سيد قطب أحد أبرز قادتهم. قد نتفهم كبح جماح الجماعات الإسلامية الحركية والأحزاب السياسية في دول الحكم الوراثي بل نقول إن الصدام معهم أمر محتوم لأسباب كثيرة ومعروفة ولكن كبحها في الجمهوريات والدول متعددة الأحزاب أمر لا يقبله العقل والمنطق لأنها جمهوريات قامت على مبدأ الحرية والتعددية كما يقولون، فمن بديهيات الدساتير لهذه الجمهوريات القبول بحكم الأغلبية والرضا بما تحدده صناديق الاقتراع، والمستغرب والمستهجن أن نرى دول لا تقر التعددية السياسية وقد أضحت ضليعة جداً بشأن داخلي بحت لدول أخرى. لو تمعنا في حال الكثير من الشعوب العربية لوجدنا أنفسنا إخوان مسلمين أو قريبين منهم إلى حد بعيد، فهل نحن خارجون على القانون؟ بالطبع لا. ولكنها السياسة العربية البغيضة التي تهني وتساند وتتاجر مع الحزب المسيحي الاشتراكي الفائز في دولة أوربية أو الحزب الماركسي الشيوعي في دولة أخرى بينما لاتسمح بحزب إسلامي على أرضها، ومن المفارقات العجيبة أن يفوز حزب مسيحي أو يهودي برئاسة الدولة أو بمقاعد كثيرة في دولة علمانية لا تقام فيها شعائر دينية بشكل ملموس بينما تقمع وتحجب وتحل الأحزاب والجماعات الإسلامية في دول تصف نفسها بالإسلامية وغالبية شعوبها تؤمن بالله وتؤدي شعائرها الدينية كما ينبغي. في هذا البلد ولله الحمد نمارس شعائرنا الدينية بكل حرية تامة، وما نقوم به في حياتنا اليومية في بلدنا الطاهر قد يعتبر جريمة في دول أخرى، فكيف ننتقد ونتدخل في شؤون دول علمتنا أبجدية الحروف وتنظر إلينا بعدم الرضا وتعتقد أننا الأصل في التشدد وفي الإرهاب وفي أخونة الناس وأننا المصدرون "للوهابية" والسلفية ومؤخراً "للجامية". اللهم احم بلدنا من كل مكروه ووفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وجنبنا شرور أنفسنا، ونسأل الله الحي القيوم القادر على كل شيء أن يرد كيد الكائدين وأن يكفينا شر أبناء جلدتنا الضالين. حسين آل حمدان الفهري [email protected]