الفتاةُ لم تعد (سر أبيها)، خصوصاً في مدى ثقتها بنفسها، وفيما يختص بشكلِها وملامحها. فالضغوط تتكالب عليها، وتجعلها سراً للغير، وللإعلام المسيطر، والدعايات (القرصانية)، وهي من معبرِ الحقِ مسكينة تقاوم وتتحاشى (زن الدبابير)، لفترة، حتى تستسلم، وتجري لأقرب جراح تجميل، وتصرخ صرخة المدمن الأليمة، الذي لا يجد جرعته: أرجوك اطعني بمشرطك!. لقد أبدع الإعلام الفني، والإعلانات الطبية الرخيصة في تحطيم نفسيات بناتنا، وأفقدهن الثقة بأنفسهن، وبأنهن حرائر متحضرات عاقلات، ولسن قيانا يتم بيعهن على المنصة، بعد الترقيع والتلميع. أضف إلى ذلك الشروط الاجتماعية الغبية، التي تطلب منهن أن تكون أوزانهن مشابهة لنجمة السينما الهيفاء، أو بملامح نجمة التليفزيون الحوراء، وهنّ يدرين أولا يدرين أن تلكم النجمات لسن إلا دمى بلاستيكية كُنّ فيما مضى ملعباً كبيراً لمناشير طبية، ومشارط، وحقن، وأشعة ليزر، ليصلن إلى حال لا يمكن أن يحمل معاني كلمة الجمال الأصيل الطاهر البريء، الذي كنا نعرفه. الجمال قديماً كان يمتلك الطبيعية، والثقة والصدق، فالجميل جميل حتى ولو استيقظ للتو واللحظة من منامه. ولكن الجميل الحالي، لم يعد يكتفي بالصابون، وأصبح لا يخرج من غرفة منامه إلا بعد أن يرتسم ويتجمل بقوة، ويسكب على بشرته كل مرطب، ويطلي نفسه بالصبغات والمساحيق، ويتحايل ليخفي ندوب الجروح، وما تتركه حقن السليكون وأشعة الليزر من بقع وتخشب بالبشرة. لقد عُرف التجميل كعلم محترم في بداياتِه، كونه يساعد على التخلصِ من عيوبٍ خَلقيةٍ، أو من أثر حادثٍ، فيتم به إخفاء العيوب، وإعادة الشكل قريباً لما كان. ولكنه اليوم ينحى منحى تجارياً، خادعاً للمشاعر، حينما يُستخدم لغرض التجميل ومن دون سبب. ونحن نعرف كيف أن تلكم الحالات تنقلب إلى العكس مع مرور الوقت، وأن جلداً عرف المشرط أو الحقن أو الأشعة لا يمكن أن يستمر كما هو مستقبلاً، فيتردى، ويجبر المرأة للعودة كالمدمنة مرات عديدة، طالبة التعديل لما تم تعديله، مهما بلغت قسوة التعديل ودمويته. وكان من الممكن أن نهيب بالأمهات الحاليات لحماية بناتهن وتوعيتهن، ولكن العلة غالباً في الطرفين. وكثير من مراكز التجميل التجارية تبدع في الخداع، وجر قدم الزبونة، فلا تراعي ذمة أو ضميرا، وكل همهم أن يكون دخلهم اليومي كذا، فلا تجد بالغالبِ الطبيب الناصح لزبونته بأمانة، ولا تجد من يرد المتهورة منهن، بل على العكس، فإن الإغراء يستمر، والنزف الدموي يتفاقم، والنزف المادي يتضاعف، والحياء يختفي من الوجوه، التي لا تلبث أن تصدق أنها أجمل، وتصاب بغرور أجوف، وتدمن، وتنخرط في خرائط المجهول، الذي يرسم لها في كل زيارةٍ حلماً جديداً. وللأسف فإن القبح إن وجد في النفس أساسا فإنه يظل سيداً للملامح، والمشاعر، ويزيدها غروراً وبعداً عن قلوب الآخرين، ليس بسبب الغيرة، ولكنه بسبب التزوير المتعمد، الذي يبتلينا بتشابه الملامح.