بسم الله الرحمن الرحيم هذه الحلقة التاسعة والأخيرة من حلقات أخطبوط العادات المقدسة : الجزء الخامس أو ( الركن الخامس من أركان الدماء ) الغرم : التعريف : هو قيام قبيلة الجاني بدفع ما يترتب على جنايته , بعد أن يحكم فيها مشائخ المحاضر (العرَّاف ) , وليس لأحد كائناً من كان التأخر عن هذا الواجب !!! .. وله مسميات كثيرة بحسب كل قبيلة وعاداتها , فمن أسمائه : { الغرم , والحضن , والصندوق ,والعَدَّة , الرفق , والصندوق الخيري ,والجمعيَّة التعاونية , وغيرها مما لا يحضرني من أسمائه الكثيرة , على حسب كل مجتمع }. وكما مرَّ معنا أنه لا يعذر أحد في التأخر عن الدفع في هذا الأمر , ومن تسَوِّل له نفسه بهذا فإنه يرتكب خطأ لا يغتفر !! ومصيبة لا توازيها مصيبة !! ويرمى بأبشع الاتهامات , فهو في عرفهم ناقص وبخيل , ورخمة , وقليل مروَّة , ولا يعرف مصلحته ومصلحة قبيلته , وهكذا مما لا يخفى على من تعرض لمثل هذه الأوصاف وقد تركت بعضها مما لا يستساغ إيراده هنا . وأمَّا الضغوط والتهديدات فحدث ولا حرج , فأحياناً يقولون لمن تركهم وباطلهم , شذاك على قراك , ويقولون إذا لم تحمل معنا قضايانا كلها فلن نقوم معك في قضاياك بغض النضر عن موافقتها للشرع من عدمه . وربَّما أرسلوا لك رسالة بهذا الشأن , وأمّا نظرات الاستنقاص وكلمات الاستهزاء فلا تعد ولا تنتهي . المهم أنه بعد كل قضية تدفع الأموال بالتساوي على الفقراء والأغنياء , والكبار والصغار على حسب قوانين كل قبيلة لأن بعض القبائل تدفع على الموظفين فقط , وبعضهم على كل ذكر ولو كان مولودا لا يعلم مَنِ القاتل والضارب مِنَ المقتول والمضروب !! فما ذنب مثل هذا ؟؟؟ ولا يمكن أن يقول أحد منهم في هذا الموقف أنه فقير ! أو أنه لا يملكها الآن ! وسيأتي بها بعد شهر أو ما أشبه ذالك ! بينما هو نفسه لا يجد حرجاً أن يماطل في أموال الناس الذين يطالبونه بدين أو بيع وشراء !!! بل إنني سمعت أناس منهم يمتدحون من يماطل ويغش ويدلس في بيعه , ويقولون هذا بيع وشراء وغالب ومغلوب !!!!! وهذا شيء محيَّر ؟؟؟؟؟ ومن تداعيات الغرم قيام القبيلة بنصب الخيام على الطرقات العامة في منظر كسيف !! وتأتي القبائل الأخرى بالمعونات والنفعات , وليس لقبيلة من القبائل كذالك أن تتخلف عن مثل هذه المحاضر لأنها مجازر !! ولأنها تحاول التمَّرُّد على العادات القبلية والأحكام الطاغوتية !!؟؟ وكل قبيلة تدفع من المساعدات ما يرفع ذكرها بين القبائل !! وهو دَين لها عند قبيلة الجاني لا بدَّ من سداده في مثل هذه الحالة إذا كانت عندها هي!! . أرأيتم كيف أن المعصية تجر أختها !!! بينما التوبة تجب ما قبلها , !!! على كل حال الكلام كثير ولكن المهم أن نعرف الحكم الشرعي فيه وفي أي مسألة تعترضنا في حياتنا . فسأحاول أن أختصر حتى لا أعرضكم للملل . وخاصة بعد نزول كتاب أخي الفاضل ناصر إدريس . وستجدون فيه أشياء كثيرة لم أوردها هنا . أولا : أن الجنايات ثلاثة أقسام : 1- جنايات العمد : وهي أن يعتدي شخص على آخر , إمَّا بقتل أو بأقلَّ من ذالك بضرب وغيره ,وهذا القسم في الشرع .يتحمَّله الجاني وحده !! ولا يجبر أحد بمساعدته ! حتى أقرب الناس إليه , أخاه وأباه , إلاّ إذا جاء أحد من تلقاء نفسه وبطيب نفسه فهذا وشأنه !!! والذي يقررها هو الشرع !! 2- جناية شبه العمد : وهي أن يعتدي شخص على آخر (بشيء لا يقتل غالبا) كأن يضربه بحصاة أو بعصا فيموت ! فهذا لا يريد قتل صاحبه ولكن الأجل أقرب من العصا ! فهذا تدفعه العاقلة , ويجبرون بذالك عند القاضي ويأثم من ترك الدفع فيه ممن تجب عليهم . وهذه يحددها القاضي. 3- الخطاء : ومثالها حوادث السيارات الطبيعية والمعتادة . بمعنى أنه يخرج من هذه القاعدة المفحطين , والمتهورين . والمغامرين .ومن أقدم على فعل الحادث عمدا ! وقد نستغرب كيف يقدم شخص على الحادث ؟ فهذا يقع كثيراً عند أهل العداوات . ولعلي أذكركم بواحدة منها فقط وهو ما حصل للعميد الشهراني في جيزان وهو يمشي مع زوجته في إحدى الحدائق ؟ ومات رحمه الله . فهل نقول هذا خطاء ؟ مع أنهم متعمدون ؟؟ فالخطأ تدفعه العاقلة , عند القاضي ولا يجوز لأحد التملص منها. هذه باختصار القضايا والجنايات الموجودة لدينا وهذه أحكامها . وبما أن المرجع في ذالك كله هو الكتاب والسنة ففيهما كل ما نريد حول هذه القضايا . وسأترك الاستدلال بالنصوص لوجودها في كتاب الأخ ناصر كما ذكرت سابقا . وستجدون فيه الكثير . فمن هي العاقلة ؟ وما هي حدودها ؟ ومن الذي حددها؟؟ وما هو الفرق بين الصناديق والعاقلة ؟؟ ومتى تلزم العاقلة شرعاً بالدفع في الجنايات ؟؟ ومتى يجب عليك الدفع ؟ ومتى يجوز ؟ ومتى يحرم عليك كذالك ؟؟ وما هو الواجب علينا تجاه هذه الصناديق ونتائجها ؟ ومن يؤيدها ويدعو لها ؟؟ وما هي الفائدة منها بصورتها الحالية ؟؟وخاصة مع انتشار العلم بمخالفتها للنصوص ؟ وما هي سلبياتها وأضرارها على كل من : الفرد ؟ والمجتمع ؟؟ والأمن ؟ والاقتصاد ؟؟ والدين قبل ذالك كله .؟ وهل هي مما يصَفِّي قلوبنا تجاه بعضنا البعض ؟ أم أنها وقود العصبيات والجاهليات ؟ والنعرات والعنصريات القبلية المقيتة ؟؟ وهل نحن نتقدم أم نتأخر بحفاظنا عليها ؟؟ وأسئلة كثيرة تحتاج لأجوبة كثيرة ولكن أين الذين يهمهم أمر الأمة كاملة ؟ وليس أمر القبيلة فقط" ؟؟؟؟؟ سأترك الأجوبة على هذه الأسئلة لكم . وخاصةً من تعَّرف على الناس وعرف المحاسن والمساوئ عندنا وعند غيرنا ! وللاستزادة حول هذه الأحكام والفروق فهذا رابط كتاب الأستاذ / ناصر إدريس وفقه الله . http://saaid.net/book/open.php?cat=4&book=8337 وحول موضوع الغرم أمور كثيرة تحتاج إلى عدة حلقات , ولكن بعد نزول الكتاب لا حاجة للإطالة , ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق , نسأل الله أن يستعملنا وإيَّاكم جميعاً في طاعته . وهذه آخر حلقة من الحلقات الأخطبوطية , والتي دار حولها كثيرا من النقاشات المتنوعة سلباً وإيجاباً . الختام أشكر كل من داخل وناقش , وحاور وبحث عن الدليل , جعلكم الله جميعا من الدعاة الصادقين المخلصين , وأشكر من كان سبباً في هذه الحلقات , وأخص بالذكر كل من الإخوة الفضلاء: عبدالله العابسي /حسين حمدان/ والنداء الأخير /وحياة/ والبدوي / طيب السيرة/أصلي/عبدالرحمن/سعيد مريد/النايف/علي القحطاني/ابوغريب/الرايد/محمد الأول/ابن عبدالله/سناء حجازي/طلال الشموخ/جو غانم/أبو معاذ ومحمد ومهند/الأستاذ/أبو مازن/ المنسك/الحرقية/ عابر سبيل/ مرتاح البال/طالبة علم من طريب/جويعد فيصل / وكل من شارك ولم أذكر اسمه سهوا فيعذرني . واشكر كذلك كل من أتاح لنا هذه الإسهامات في صحيفة طريب . وأخص منهم أخي جبران فايز وأخي سعيد فايز . وفقهما الله وبارك في جهودهما, وكذالك أعضاء صحيفة طريب الإلكترونية , من مشرفين ومحررين ومراسلين وغيرهم . جعلهم الله جميعا ممن يعملون لنصرة دينهم ووطنهم وأسرهم , على ما يرضي الله . وأطلب من كل أخ وصديق جرت بينه وبيني نقاشات حادة أن يعذرني وأنا أسامحه , وليكن هدفنا من النقاش أن نصل إلى نتيجة إيجابية , وإلى قناعات وليس إلى مجادلات عقيمة . فما كان من صواب في هذه الحلقات فمن الله . وما كان من خطأ أو نقص وزلل , فهو من نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان . وصلى الله وسلم على نبينا محمد .والسلام عليكم .