في العهد الأوّل لي في الصحافة الفروسيّة – و كنت في وقتها أتعطّش لأي معلومة تخصّ الوسط الفروسي – كان الحديث الذي يصل لمدرسة الفروسية الدولية لا يكتمل و كأنّ الجميع يتحاشى الخوض فيه ، و من كان يُفشي بعض الكلمات حولها كانت كلماته تأتي مُعتمة حتّى ظننت في وقتها أنني لو قرأت عن الحرب العالمية الأولى لوجدت الدولية أحد أسباب نُشوبها ، و بعد أن أخذت على عاتقي مهمّة توثيق تاريخ فروسية قفز الحواجز في المملكة وجدت أنّ مدرسة الفروسية الدولية تُطلّ علي من خلف الأسطر الأولى و توالى ظهورها مع كل حدثٍ مفصلي كنت أتتبعه حتّى بدأت أنتبه أنّ في الأمر روايةً أُخرى فمنعت نفسي من إصدار أي حكمٍ بحقّها قبل أن أكون متأكّدة منه تماماً ، لتكون زيارتي الأولى لمدرسة الفروسية الدولية – العام الماضي – خطوة مهمّة بالنسبة إلي ، و ما إن وصلت الدولية حتّى بدأت أشمّ رائحة التاريخ الفروسي تفوح من أطرافها المترامية و أحسب أنّها كادت تُصافحني أو ربما هي صافحتني فعلاً على طريقتها ! كان لقائي الأول بالمهندس يوسف البيتوني – ذاك الرجل القائم بشؤون المدرسة – لقاءً غريباً ، إذ تصورت أنني سألتقي برجل مختلف أقرب للعنجهيّة منه إلى الرسمية لكن المفاجأة أنني وجدته رجلاً مُتّزناً فآثرت تأجيل الحكم عليه حتّى نتمّ حديثنا ، و بالفعل بدأ حديثنا يأخذ منحاه و كان المهندس البيتوني ينصت باهتمام لكل ملاحظة أعطيه إيّاها و يتحدّث بشفافيّة عن كل أمر يتم طرحه حتّى وصلنا إلى موضوع الدعم فقلت في نفسي عندها : "هذا هو الفخ !" ، لكن ما إن بدأنا بالحديث عن الدعم حتّى وجدته يتحدّث حديثاً مُمنطقاً مُتّزناً – في الوقت الذي اعتدت فيه أن أسمع من الفروسيين حول هذا الأمر الكثير من التذمّر المبرر و الغير مبرر – و هنا شعرت بأنّه بدأ يُربكني و أخذت أتساءل : هل يُعقل أنّ هذا الرجل مع كل ما أجده لديه من وعي يبيعني الأكاذيب ليس إلّا ؟! أم هو بارعٌ في التمثيل لدرجة أنني بدأت أصدِقه ؟! ، و انتهت زيارتي للمدرسة ورحلت حاملةً معي الكثير من الوعود بالإصلاحات التي يتبنّاها الفكر الجديد للمدرسة ، و بقيت في حينها مجرّد وعود . لم يمضي وقتٌ طويل حتّى بدأت تلك الوعود تتجلّى بدايةً من تجديد الأرضيّات و الاهتمام بالمرافق و استحداث مرافق جديدة ، بالإضافة إلى استقطاب نخبة الفرسان و ضمهم للكادر التدريبي في المدرسة وصولاً إلى قلب المفهوم السائد عن البطولات الوطنية رأساً على عقب على نحوٍ إيجابي ، لتنجح مدرسة الفروسية الدولية في هذا الموسم كما لم ينجح مستضيفٌ للبطولات الوطنيّة قبلها ، و ذلك من خلال احترامها لمبدأ العطاء قبل الأخذ و الزراعة قبل الحصاد لتكون في نهاية المطاف نموذجاً فروسيّاً مُشرّفاً من مصلحتنا جميعا دعمه ليستمر التطور و تنبض المنافسة في عروق منافسيها من المستضيفين . بقي أن أقول بعد أن أجّلت إصدار حكمي طويلاً أنّ في مدرسة الفروسية الدولية شيئاً لستُ أعرف ما اسمه لكنني أعرف جيّداً أنّه ينجح في كسب ولاء مّتّزني الفروسيّة ، و أنّ النقلة النوعيّة التي شهدناها فيها هذا العام لم تكن إلّا ضربة معلّم ، أجل فقد صدقت وعودك أبا فارس !