مضى على الاحتراف الرياضي لدينا نحو ربع قرن ، مدة زمنية أعتقد أنها كفيلة بتغير بعض العقليات وتغيير جل المفاهيم ، هكذا كنت أظن ، فقد ضرب التفاؤل موعدا معي حتى أني رأيت رياضتنا بكل مكوناتها تتعامل مع كرة القدم بثقافة احترافية ، بحيث يصبح الأمر أشبه بنمط رياضي يمارسه اللاعب ويتعامل معه الإداري ويطبقه المدرب ويحترمه الصحفي ، لكن يبدو لي أن التفاؤل أخلف المواعيد ولم يحضر ! فما أشاهده من تعامل بعض العقليات والتي لازالت تعيش في عصر ( طقه وألحقه ) وتعمل بمبدأ ( هذا ولدنا محدن يجيسه ) يجعلني أعود إلى الواقع الملئ بالسوداوية وكأني بي وقد ركبت عجلة الزمن وعدت لعصر ( كرة الشراب ) !! فالمتتبع لبعض المواقف التي حصلت بالفترة الأخيرة والتي تتماس بشكل مباشر مع نظام الاحتراف ، يجدنا لم نستفد من كل تلك المدة الطويلة من التعامل مع النظام الاحترافي ، بل ويرى بأم عينه كيف يصبح الاحتراف ملاكاً و ( خدوده حمراء ) متى ما كان في صالح عشقي ، ويتحول الاحتراف بقدرة ( قاضي ) إلى شيطانا يشبه المسخ عندما يكون ضد مصلحة النادي الذي أحبه ! ولكي لا أكون مثل الذي يدور حول الحمى ، فإني سأضرب لكم مثالين من مشهدنا الرياضي فيهما الكثير من أوجه الشبه ، ولكن بالتعاطي معهما فيهما الأكثر من التناقض والغرابة والتباين في المواقف بشكل يجعلني أردد ( ما أمدالك تنسى ) !! فبعض إعلاميي الأهلي مثلا أطنبوا غاية الأطناب في الثناء على التعامل الاحترافي للإدارة الأهلاوية في التوقيع مع عيسى المحياني بل كاد أحدهم أن يكتب شعرا حتى خيل لي أنه يكاد ينافس طرفة بن العبد في سك المعلقات ، لكن فجاءة تحول الأمر من معلقات طرفة إلى ما يقود إلى الطرافة ، فذات ( المحامي ) عن التوقيع مع عيسى قبيل لقاء الهلال بكأس الأبطال ، وذات ( القاضي ) الذي أشاد غاية الإشادة بالظفر بهذا النجم هم ذاتهم من ( شجبوا واستنكروا ) توقيع الإدارة الشبابية مع كماتشو ! بل والمثير للسخرية أكثر من تغير المواقف ، هو تأليف القصص عن إلتقاء الإدارة الشبابية مع اللاعب قبل نهائي الدوري ، ثم التعامل مع (قصص جحا) بأنها حقيقة مسلمة ، ثم بعدئذ يحاكم رئيس مجلس الإدارة الشبابية بناءً على أكاذيبهم وتعلق له المشانق ! أي مبدأ يتعامل به أولئك ، هل أضحينا بزمن : أكذب ، أكذب ، حتى يصدقك الناس ؟! نعم أي مبدأ .. فالتوقيع الأهلاوي مع المحياني وهو لازال لاعبا في الهلال ويمارس الكرة في الرياض يعتبر عملا إحترافيا خالصاً يستحق التصفيق والتمجيد ، أما التوقيع الشبابي مع كماتشو وهو في إجازته بالبرازيل ولديه مخالصة مالية هو عمل تخريبي يحتاج تدخل الأممالمتحدة !! هل أضحى الاحتراف أشبه بالنكهات ، فالنكهة الخضراء احترافية مائة بالمئة وتستحق الانتقاء ، أما النسخة البيضاء فطعمها علقمي مر ؟! ولكي لا أكون كمن ينهى عن أمرٍ ثم يقع في شركه ، أعود إلى الأمرين بلغة المنطق بعيدا عن الميول ، فما فعلته الإدارة الأهلاوية بالتوقيع مع عيسى المحياني كان تطبيقا مثاليا للأحتراف وليس هنالك أي شائبة في ذلك ، وذات الأمر فعله الرئيس الشبابي بتوقيعه مع المايسترو البرازيلي كماتشو ، فليس هنالك اي محاذير في ذلك ، فمتى ما دخل اللاعب الستة شهور فله الحق بالتفاوض ، بل والتوقيع . أخيراً .. أتمنى أن تكون رؤانا أكثر أفقا ، وأن ننظر لمرآتنا قبل أن ننعت الآخرين بما هو فينا ، فالرياضة هي جانب ترفيهي أتمنى أن نبتعد فيها عن الاقصائية للطرف الآخر وأن لا تكون ساحة الصحافة مرتعا للبعض ليمارس نفث سمومه ( ويشمر ) عن ساعديه بما ( لا يحمد ) عقباه ، وحتى ( لا تشيخ ) الأفكار دعونا نسمو بعقلياتنا!! قبل نقطة النهاية : إقترب شهر رمضان وبعض المخرجين يبحث عن بعض الكومبارس لمسلسلاتهم.. ترى كم من كومبارس في البرامج الرياضية يحاول أن يلعب دور البطولة ؟!