أسدل الستار أمس الأول على أحداث كأس الأمم الأفريقية 2012 CAF وقد شهد ختامها تتويج تاريخي لزامبيا التي تسلمت التاج الأفريقي وجلست على كرسي الزعامة، في مشهد جديد على القارة السمراء، ذلك أن منتخب مصر ضرب كل الأرقام القياسية وحيّد كل المنتخبات الكبيرة المتخمة بنجومها حين سيطر على اللقب في آخر ثلاث نسخ. لكن الأكثر حداثة في المشهد الختامي، كان تخلي المنتخبات العربية عن تسيدها لقمة البطولة الأكبر في القارة السمراء، فخلال ال8 أعوام الماضية كان العرب يفرضون تفوقهم المطلق على اللقب الكبير، بعد أن استعادت تونس العرش في البطولة التي استضافتها عام 2004 قبل أن تتسلم مصر صولجان الزعامة في بطولات مصر 2006 وغانا 2008 وأنجولا 2010. ولم تتخلى المنتخبات العربية فقط عن العرش الأفريقي بل غابت حتى عن المربع الذهبي ولم يحدث هذا منذ عام 2002عندما خسرت مصر أمام الكاميرون 0-1 في ربع النهائي لتشهد نسخة مالي 2002 نصف نهائي خالي من العرب. صحيح أن المنتخبات العربية تنازلت عن اللقب ويمكن تصنيف ذلك تحت القول المأثور "دوام الحال من المحال"، وقد يفسر البعض هذه الظاهرة كنتيجة للإضطراب السياسي في العالم العربي خلال العام الماضي ولكن يبقى تأهل ليبيا للنهائيات ونجاح السودان في الوصول لربع النهائي لأول مرة منذ عام 1970 كعلامات مضيئة في نسخة 2012. ولذلك يأخذكم موقع FIFA.com في إطلالة على المشاركة العربية التي مثلتها تونس والسودان والمغرب وليبيا ونستعرض معكم كافة المحاور التي تخللت هذا الحضور المتباين. تونس تخرج بفعل الأخطاء حضر المنتخب التونسي إلى المنافسات حاملا طموحات كبيرة وحظوظ وافرة لبلوغ الأدوار الأخيرة من المسابقة، معوّلا على إنسجام تشكيلته التي فازت بكأس أفريقيا للمحليين تحت قيادة الطرابلسي، الذي وجد مجموعة مميزة من النجوم التي تنشط أوروبيا أو تلك التي فازت باللقب الأفريقي وخاضت غمار كأس العالم للأندية مع نادي الترجي. وفي ظل الجهوزية الفنية والبدنية، كان "نسور قرطاج" على موعد مهم في الإفتتاح الذي شهد انتصارا غاليا على الجار المغربي، لكن الأداء انخفض بشكل كبير في المواجهة الثانية أمام النيجر ولم يخفف من ذلك سوى تحقيق الفوز في اللحظات الأخيرة، ليعود التوانسة لتقديم الأداء الجيد أمام أصحاب الأرض الجابون لكن "هفوة" دفاعية أفقدتهم فرصة الصدارة، ليتوجب عليهم مواجهة غانا في ربع النهائي، ورغم تقديم عرض بطولي أمام "النجوم السمراء" إلا أن الجهد الكبير أطيح به جراء هفوتين، كانت الثانية "قاتلة" من يدي الحارس أيمن المثلوثي الذي منح غانا هدف الفوز في الشوط الإضافي. كان التوانسة يحلمون في استكمال المشوار واستعادة ذكريات البطولتين الكبيرتين اللتين خاضهما "نسور قرطاج" في العام 1996 حين خسرت اللقب في جنوب أفريقيا، ثم بطولة 2004 التي انتزعت فيها اللقب الأول، ورغم الخروج المؤثر من ربع النهائي، إلا أن المدرب المحلي سامي الطرابلسي عبر عن رضاه عن مجمل المشاركة وقال في نهايتها "لم نستحق الخروج بهذه الطريقة، قدم اللاعبون أفضل ما لديهم وفرضوا نفسهم على غانا، أعتقد أننا نستحق بلوغ دور متقدم في البطولة". السودان فرحة بالتأهل ربما لم يكن هناك كثير من المتفائلين بقدرة منتخب السودان في التأهل لربع النهائي نظرا لتواجد منتخب كوت ديفوار المدجج بالنجوم وأنجولا المدعمة بالخبرة واللاعبين المحترفين إضافة لبوركينا فاسو، لكن "صقور الجديان" تمكنوا من تحقيق الصعب وتأهلوا للدور ربع النهائي. قدمت السودان عروضا طيبة وتحصلت على نتائج مميزة للغاية، وكتبوا أسطرا جديدة في التاريخ السوداني، فبعد أن قاوموا ببسالة وخسروا بصعبة أمام كوت ديفوار 0-1، ثم سجلوا تعادلا مهما أمام أنجولا بهدفي محمد بشة ليفتتح الرصيد التهديفي للفريق بعد صيام دام منذ 1976 ثم جاء الفوز الغالي أمام بوركينا فاسو 2-1 ليصبح الانتصار الأول بعد عام 1970 أي منذ فوزهم باللقب على أرضهم. التأهل لربع النهائي كان قمة الإنجاز لأبناء المدرب محمد عبدالله "مازدا"، ولذلك في ظل نقص الخبرة، كان الخروج الطبيعي أمام زامبيا التي أبانت عن قدرات كبيرة وفازت باللقب فيما بعد. قدمت السودان بطولة مميزة للغاية يمكن أن تبني أساسات العمل المقبل، وهو ما يؤكده المدرب مازا قائلا " أنا سعيد جدا، لعبنا جيدا، ولدينا منتخب شاب حقق إنجازا تاريخيا، أثبتنا قدرتنا على مواجهة المنتخبات الكبيرة، نأمل أن نكتسب الخبرة ونعود في العام المقبل لنقدم ذات العروض ونحصل النتائج". ليبيا تستلهم من الثورة رغم أنهم تأهلوا بشق الأنفس للعرس الأفريقي، وعانوا كثيرا للتحضير بشكل لائق لخوض البطولة، لكن يمكن القول أن الظهور الليبي جاء طيبا قياسا بالأحداث التي مرت بها ليبيا. بل أن أحداث "الثورة" كانت الملهمة للاعبي الفريق الذين ألغوا الفوارق الفنية مع منافسيهم، ولكن ظل نقص الإعداد من جهة وقلة الخبرة من الجهة الأخرى، هو الحائل الوحيد ما بين الليبيين والتأهل لربع النهائي. قاومت ليبيا أصحاب الأرض منتخب غينيا الإستوائية المصحوب بجماهير متعطشة للفوز، ولم يخسر اللقاء الإفتتاحي إلا بخطأ بسيط في الأمتار الأخيرة من اللقاء، لينهض الفريق من كبوة الخسارة المؤلمة ويقدم عرضا طيبا أمام زامبيا القوية فتخلى عن تقدمه وأجبر على التعادل 2-2، ثم كتب التاريخ بفوزه المستحق على السنغال 2-1 وهو الأول له منذ بطولة 1982. المدرب البرازيلي ماركوس باكيتا الذي قاد الفريق خلال حملة التصفيات الصعبة أكد أن الجميع سعيد بما تحقق في البطولة قائلا " أشعر بالراحة النفسية فمستوى الفريق تتطور خلال البطولة، أتمنى أن يجد اللاعبون ظروف أفضل في المستقبل بعد هذا الأداء الطيب ومحاولة العودة للبطولة المقبلة". المغرب وصدمة الوداع المبكر لعل العرس الأفريقي شهد أكبر مفاجآته في الدور الأول لحظة وداع المغرب لسباق المنافسة وعقب الجولة الثانية فقط، فقد حضر "أسود الأطلسي" بمعنويات هائلة متحلين بالنتائج الباهرة في التصفيات، خاصة الفوز الكبير على الجزائر برباعية، والإستقرار الفني و"ترسانة" النجوم الناشطة في القارة الأوروبية، لكن فوق أرضية الملعب "تبخرت" أحلام الفوز باللقب وذهبت أدراج الرياح. كان المغاربة يعلمون أهمية مواجهة تونس في الإفتتاح، لكنهم لم يحسنوا التعامل مع مفردات اللقاء وتعرضوا للهزيمة 1-2، ليدخلوا في مضيق الفرصة الأخيرة خصوصا بعد أن تابعوا بأم أعينهم الانتصار التونسي على النيجر في اللحظات القاتلة، وهو ما فرض عليهم عدم الخسارة أمام الجابون، لكنهم تعرضوا للهزيمة 2-3 والإقصاء المبكر قبل أن يودعوا البطولة رسميا بفوز شرفي على النيجر 1-0. جاء هذا الخروج ليواصل مسلسل الإخفاق الذريع لواحدة من أكبر مراكز القوى في القارة، فبعد أن خسروا اللقب أمام تونس في 2004 خرجت المغربمن الدور الأول في آخر مشاركتين لها (2006 و2008) فيما لم تتمكن من التأهل للبطولة الأخيرة في أنجولا 2010، وهو ما رسم علامات الاستفهام حول قدرة المغرب في العودة بشكل أفضل في البطولة المقبلة والتي ستكون مطالبة فيها بالوصول إلى مراتب متقدمة لتناسي ما حدث في السنوات الماضية. عولت المغرب على لاعبيها لكنها اعتمدت على المدرب البلجيكي إيريك جيريتس، أغلى مدرب في كأس الأمم الأفريقية 2012، الذي طور من أداء الفريق في التصفيات، لكنه تعرض للفشل في النهائيات، ورغم ذلك فقد حافظ إريك على رباطة جأشه وقال "سأعود لمواجهة غضب الجمهور، وسأحاول التعامل مع هذا الأمر، الجميع كان يعقد امالا كبيرة على هذا المنتخب في هذه البطولة، لكننا ارتكبنا أخطاء فردية وأهدرنا فرصا حقيقية عدة ودفعنا الثمن غاليا. لدينا الآن تصفيات كأس العالم وأفريقيا وسنعمل من جديد على استعادة مكانتنا". الأمل في المستقبل وبالرغم من هذا التراجع في مستوى الكرة العربية وغيابها عن الأربعة الكبار في أفريقيا يبقى الأمل قائم في الأجيال القادمة فقد وضح جلياً أن الكرة العربية على الطريق الصحيح بنجاح شباب الفراعنة وأسود الأطلسي في التأهل لأوليمبياد لندن 2012 حيث إحتلت المغرب ومصر المركز الثاني والثالث على التوالي خلال البطولة الأفريقية للمنتخبات تحت 23 سنة ومن المؤكد أن أنظار جميع محبي الكرة العربية ستكون مسلطة هذا الصيف على لندن!