تستقطب بيوت وقصور الطين في منطقة نجرانجنوب المملكة الكثير من المصورين الفوتوغرافيين والفنانين التشكيلين نظير مكتسباتها الجمالية في الجانب المعماري الذي يعد أحد أبرز أوجه التراث التي تعكس حياة المجتمع في مكان ما وحقبة ما، خصوصاً أن قصور الطين النجرانية بُنيت على طراز فريد يحمل العديد من الجوانب الفنية الأصيلة، وتنتشر في الأحياء الواقعة على ضفتي وادي نجران الشهير، مشكلة مع النخيل والمزارع وجهاً حضارياً في غاية الجمال. ويقع على الضفتين الشمالية والجنوبية من وادي نجران حوالي 33 قرية طينية، حيث تشتمل كل قرية تراثية على العديد من قصور الطين والمباني المختلفة في المسميات وفي الشكل وطريقة البناء، ويُمثّل كل واحد منها مشهداً على الإبداع والرؤى الفنية والمزاج الجمالي، فتظهر عناصر الفن والتميز والأصالة في شتى تفاصيل البناء. وظّلت هذه القصور التراثية مزاراً للكثير من الفنانين الفوتوغرافين، سواء من أبناء المنطقة، أو من زوارها الذين يأتون في رحلات فنية تستهدف تصوير بيوت الطين النجرانية بشكل خاص، والمواقع الأثرية والأسواق التراثية بشكل عام، حيث ظهرت بيوت الطين كقيمة فنية في مئات الأعمال الفوتوغرافية. وألهمت بيوت الطين بزخارفها وشموخها وطرق بنائها البديعة العديد من الفنانين التشكيليين لتكون في لوحاتهم، وعلى أكثر من طريقة ومدرسة فنية، ترمز حيناً للمناظر الطبيعية الخلابة مع الخضرة والأشجار والسيل الجاري، أو رمزاً للهوية والمكان والمجتمع في حين آخر، أو تعدت ذلك لتكون في سياقات السوريالية أو التجريب الفني. وفي ذلك السياق أكد الفنان الفوتوغرافي صالح الدغاري, أن القرى التراثية بمنطقة نجران تبلغ حوالي 33 قرية، تتكون كل قرية من مجموعة من بيوت الطين التي تختلف في أشكالها وارتفاعها وطرق تزيينها، مما يجعل هذه القرى مقصداً للفنانين الفوتوغرافيين باختلاف مشاربهم واتجاهاتهم الفنية، فهذه البيئات المعمارية الفريدة في القرى تتيح الكثير من الزوايا وانعكاسات الضوء وتكوينات الظل، مما جعل المكتبة الضوئية السعودية تحمل أعمالاً وافرة لما يسمى ب"الدرب النجراني" الذي يتنوع بين القصور وبين "القصبات" وبين "المشولق" و"المربع" و"المقدم" وغيرها من البيوت التي تشكل القرى التراثية بالمنطقة. وبيّن الدغاري أن مهرجانات الفن والثقافة وملتقياتها في المملكة بشكل عام، وفي نجران بشكل خاص، نظمت الكثير من المعارض الفوتوغرافية التي لا تكاد تخلو من أعمال التقطها الفنانون لقصور الطين النجرانية، فتعاضدت جمالية هذه المباني العريقة والفاتنة مع جماليات الفوتوغراف والضوء التي يصنعها الفنان. كما أوضح الفنان الفوتوغرافي الإيطالي ستيفانو جيوفي, أن قصور الطين في مدينة نجران من أشكال الفن المعماري التي لن ينساها أبداً، مؤكداً أنها من أجمل ما ألتقطه في حياته بهذا المجال، باعتبار أنها ما زالت واقفة في بيئاتها الطبيعية والقديمة، وما زال الناس في نجران يهتمون بها بجانب بيوتهم الحديثة دون أن يضيفوا لها ما يغيّر من هويتها وطبيعتها الأصيلة. وأشار إلى أن لون الطين المخلوط بالتبن يجعل المنازل ذهبية عندما تسطع عليها أشعة الشمس، كما أن شكل القصور ذات الطوابق المرتفعة يصنع صوراً فوتوغرافية في غاية الجمال، حيث أن هذه القصور تضيق كلما ارتفعت وتكون قاعدتها أكثر اتساعاً من سقفها، إضافة إلى القصبات الدائرية والزوايا المائلة في بعض البيوت الطينية، التي مع تكوينات الظل والأشجار والسماء تُنتج صوراً فوتوغرافية عالمية. من جهته عبّر الفنان التشكيلي حسن شرية عن جماليات قصور الطين النجرانية قائلاً: "إنها تتعملق في السماء بطريقة مذهلة، وتطّل نوافذها على كل الاتجاهات، كأنها تلاحق الشمس والضوء، وسيشعر كل من يشاهدها بالدهشة وهو يرى ظلالها ينبسط على الأرض لتضيف ملامح فاتنة للمكان الذي بُنيت فيه، الذي غالباً ما يكون محشوداً بالنخيل، وقريباً من سواقي الماء والمزارع، وكأنها تشكّل بكل هذا لوحة فنية ضخمة ومليئة بالتفاصيل الأخاذة." وأضاف أنّ المواد الطبيعية التي بُنيت بها هذه القصور، أعطتها طابعاً جمالياً خاصاً، إضافة إلى تفاصيل تزيينها التي تأتي كتيجان على قمتها، فلا شك أنها تعطي فسحة خيالية في تحويلها واستخدامها داخل الفن التشكيلي وصناعة اللوحة الفنية."