كنت أحسب أن أوجاع الأزواج السعوديين في المغرب سرعان ما تذوب على صخرة السفارة في الرباط؛ الأمر الذي دعاني للقاء المسؤول الأول عن السفارة، لعلنا نحسم الملف المعلق في ظل رغبة الكثير من الشباب في السفر للمغرب، سواء للاقتران بمغربيات، أو للسياحة، لكن ما وجدته داخل السفارة كشف لي أن معظم الزائرين السعوديين يحرجون السفارة، فلا يعرفون موقعها، حتي يذيبون أوجاعهم، ولا يرتادونها، ولا تربطهم بها أي علاقة من قريب أو بعيد، بل يؤزمون الأمر أحيانا بالالتفاف على الأنظمة، وأخرى بالتحايل على السفارة بعدم التسجيل فور الوصول. دلفت إلى مكتب سفيرنا في المغرب محمد البشر، وألقيت على كتفه حمل التساؤلات، فوجدت الشفافية شعارا والعطاء عنوانا، والأغرب أنه لا يكل ولا يمل. قادتني الصدفة لأرى اهتمامه بأحوال السعوديين العالقين في مطار الدارالبيضاء بسبب السحب البركانية، إذ كلف طاقما لإدارة الأزمة، بشرط تواصل العمل على مدى 24 ساعة، لإسكانهم في أفضل المواقع، وبعدها تفرغ قليلا لتساؤلاتي. نسمع كثيرا عن الزواج العرفي خاصة للسعوديين المسافرين بغرض السياحة في أشهر الصيف، ويترتب على ذلك تخلي الآباء عن أبنائهم؛ ما يتسبب في تشريدهم، إلى أي مدى ينتشر هذا النوع في القادمين للمغرب؟ موضوع الزواج العرفي نادر في المغرب، إن لم يكن غير موجود، فيما هناك زيجات تتم دون موافقة مسبقة من وزارة الداخلية السعودية، كإجراء نظامي، ويتم إنجاب أبناء دون أوراق رسمية، وهذا الأمر موجود في المغرب، وقد يكون ارتفاع الوعي في المغرب لمثل هذه الإشكاليات، بالإضافة إلى حرص المغربيات على توثيق هذا الزواج، لتؤمن مستقبلها ومستقبل أولادها، كلها تصب في صالح تضييق الخناق على الزواج العرفي، وهي خطوة جيدة وممتازة، لأنها تحمي الطرفين، إلا أنه تظل هناك مشاكل مترتبة على ما بعد الطلاق، أو هجران الزوج لزوجته، أو هروب الزوجة بأولادها للمغرب، وهنا تبدأ المعاناة، حيث محاولات أخذ الأبناء، ومواجهته بالرفض، وأعتقد أن الجهات الرسمية في المملكة يمكن أن يكون لها لجان لحسم مثل هذه الموضوعات؛ لأن الروتين لا يأتي بنتيجة، حيث إننا نرسل خطابات، وتأتي الردود وترسل خطابات، وتأتي ردود، كلها لا تحل المشكلة، التي ينبغي حسمها. نحن دائما نقول إن جمعية أواصر ستحل المشكلة، لكن الموضوع أن الأب يريد أن يرى أبناءه، هل له حق أم لا سواء طلق زوجته أو لم يطلقها؟ وهل هو معترف بهم أم لا؟ وهل للمرأة أو الرجل حقوق أم لا؟ كلها قضايا أساسية تحتاج إلى حل، ونعرف أنها قضايا اجتماعية حساسة، لكنها تحتاج إلى لجان لها صلاحية الحسم من الطرفين، لإغلاق الملف نهائيا؛ لأنه إذا ظل مفتوحا دون نهاية، فلن يكون سوى مجرد ورق يذهب، وورق يأتي، وليس هناك حل. وعندما تأتي لجنة تحقق مثلا وتعرف السيدة بأنه ليس من حقها الاستحواذ على الأبناء، فإذا تمسكت بالرفض، فإن القضاء هو الفاصل، ويمكن أن تتدخل السفارة مع الحكومة المغربية، في هذا الشأن. وفي الجانب السعودي الذي لا يطلق زوجته أو يتركها يجب أن يجبر على الرعاية، لأنه التزم بالحقوق والواجبات أمام الله سبحانه وتعالى، وأعتقد أن هذه اللجان لو حدثت ستسهل وتحد من التجاوزات، صحيح أنها لن تقضي على كل شيء، لكنها ستسهل وتغلق كثيرا من الملفات التي تظل مفتوحة إلى ما لا نهاية. زواج بالنية كيف تقيمون نظام الزواج المختلط في المغرب؟ وما دامت هناك شروط من وزارة الداخلية للزواج فلم الالتفاف عليها؟ الحكومة المغربية أشد التزاما بموضوع الزواج المختلط، ولديها قوانين ممتازة، تؤطر الزواج الجاد، والحقيقة أشكرهم على هذا العمل الرائع، وبهذا لا يمكن أن يتزوج السعودي من أجنبية إلا بشروط كثيرة، أبرزها الموافقة الخطية من الزوجة السابقة. أما شروط الداخلية فموجودة ومفعلة، لكن هناك ثغرات، وهناك من يسلك طرقا أخرى، فهناك في المغرب العقد بنية الزواج، حيث يمكن للقاضي إصدار ورقة بين الطرفين بنية الزواج، لكن هذه الورقة تستغل، ثم يتزوج الطرفان، وينجبان الأبناء رغم أنهما لا يزالان في مرحلة نية الزواج، وهذه الثغرة نتمنى زوالها في النظام المغربي. ما أبرز المشاكل التي تواجه السفارة بالنسبة للرعايا؟ وهل هناك نقص في توعية المسافرين؟ مشاكل الرعايا في المغرب ليست كثيرة، مقارنة بغيرها من الدول الأخرى، سواء عربية أو غربية، وأبرز مشاكل الرعايا السعوديين في المغرب، المشاكل العائلية بين الزوج السعودي والمغربية، لأن السعودي هو الذي يتزوج مغربية، ونادرا ما تجد مغربيا يتزوج سعودية، والمشكلة الأخرى أن البعض لا يعرف القوانين الموجودة في المغرب فيقع في المحظور الأمني أو الابتزاز المادي، فيما المشكلة الثالثة أن البعض وصل للقيام بتصرفات خاطئة، وعندما يقع يحب تدخل السفارة، التي بالطبع لن تتخلى عنه مهما كان أو مهما كانت رؤيته أو عقليته؛ لأننا هنا لخدمة الجميع. لكننا نواصل التوعية عن طريق موقع السفارة الإلكتروني، خاصة بالنسبة للقادمين للمغرب، ونتمنى أن يتعامل الجميع مع التكنولوجيا، والدخول على المواقع حتى يتحروا ويعرفوا الكثير، كما لدينا كتيبات في السفارة وأي شخص يأتي نعطيه ليستفيد منها ويوزعها على المعارف، لأننا لا يمكن أن نصل إلى الجميع، فيما يقدم الهاتف السعودي خدمة للزائر فور وصوله بإرسال رسالة تحدد أرقام السفارة، ونتمنى من السائح عندما يصل يسجل جوازه ولو بالفاكس، وللأسف لو حصرنا عدد المسجلين قياسا بعدد الزائرين، تبدو النسبة أقل من %10، وهي للأسف نسبة ضئيلة جدا، لكن المشكلة أنه لا يأتي أحد للسفارة إلا إذا كان تعرض لمشكلة، ونحن نقول للزائرين إن توافدهم على السفارة يجب ألا يرتبط بالمشاكل فقط، ونتمنى معرفة قوانين البلد المضيف، واحترامها لتلافي أي إشكاليات، خاصة أن أبواب السفارة مفتوحة على مدى 24 ساعة، بل نكون سعداء بتوافد أي سعودي. حالتان فقط كيف تتعامل السفارة مع الموقوفين السعوديين في السجون المغربية؟ وكم يصل عددهم؟ الحقيقة ليس هناك عدد كبير من الموقوفوين السعوديين في السجون المغربية، بل الإحصائيات تؤكد أن هناك حالتين فقط، نداوم على زيارتهما بشكل أسبوعي، للاطمئنان على أوضاعهما، إضافة إلى تقديم معونات مادية وغيرها وسيتم نقلهما قريبا للمملكة. الشراكة الاقتصادية بعيدا عن الجانب الاجتماعي، كيف تنظرون إلى مستقبل الشراكة بين المستثمرين السعوديين وغيرهم، خاصة في ظل تسهيلات التأشيرة السعودية لرجال الأعمال، وكيف تتجاوزون التلاعب بالمسميات الوظيفية لبعض الأشخاص؟ أعتقد أن المملكة خطت خطوات جيدة في هذا المجال، بغرض تيسير التجارة مع الدول الأخرى، ولتسهيل الاستثمار المتبادل بين ما هو داخل المملكة وأيضا تدفق الأموال من المملكة إلى الخارج للاستثمار، ونحن نحرص على أن يكون التدفق من الخارج إلى الداخل، وليس العكس لأن في هذا توفير وظائف للمواطنين، وإضافة إلى الاقتصاد السعودي. وهناك تسهيلات ظهرت على التأشيرات؛ لذا في الخارج هناك تحريات للتأكد من هوية رجل الأعمال، من ضمنها أنه لا بد أن يكون هناك سجل تجاري، نتأكد منه بالتواصل مع الغرفة التجارية، كما نتأكد من مدى ملاءمة مستوى رجل الأعمال للاستثمار في المملكة، وذلك عبر طرقنا الخاصة. ما أبرز هذه الطرق الخاصة؟ في كثير من الأحيان يتم الاستفسار عن طريق البنوك لنتأكد من مستوى التدفقات المالية التي تتعامل بها شركة معينة حتى نطمئن، وأعتقد أن هذا مريح جدا، لكننا في المغرب نرى أن التبادل التجاري والاستثماري والمالي بين المملكة والمغرب أقل، ونعلم أن هناك قصورا، نحمل أنفسنا أولا هذه المسؤولية، لأننا لم نعمل بالشكل الذي يجب أن نعمل به ونتمنى أن نوفق في الأعوام المقبلة للتعاون مع إخواننا في المملكة أو المغرب الشقيق على الدفع إلى المزيد من التبادل التجاري. نقاط الضعف ما نقاط الضعف التي أسهمت في عدم الوصول للتدفق التجاري المأمول؟ نقطة الضعف هي التعريف، هناك منتجات مغربية يمكن أن تصل إلى المملكة وتكون منافسة، المشكلة أن السوق السعودية أيضا كبيرة وتصلها البضائع من جميع أنحاء العالم لكننا لا نجد مجالا للمنتجات المغربية في هذه السوق الكبيرة. الموضوع الثاني يتعلق بالسوق المغربية، فهناك بعض المجالات الخفية على رجال الأعمال السعوديين، وللأسف معظمهم عندما يأتون إلى المغرب يرتبطون بعلاقة شخصية مع فلان الذي تقوده درايته إلى ما يريد فتقع بعض المشاكل وهذه حدثت، لا بد أن يؤطر كل شيء في عمل تجاري من خلال المحامين، ومن خلال السفارة أيضا، ومن خلال الحكومة المغربية حتى يطمئن المستثمر السعودي بأن أمواله وما تجنيه من أرباح تعود عليه بالنفع. المستقبل التجاري هل لديكم تصور للمستقبل التجاري بين المملكة والمغرب؟ ولماذا لا تقوم السفارة بدعوة أعضاء الغرفة التجارية السعودية لزيارة المغرب واستضافة السفارة لطرح الفرص الاستثمارية التي قد ترونها مناسبة؟ هذا الأمر موجود ومعمول به، وهناك مجلس سعودي مغربي، ومجلس رجال الأعمال في المملكة والمغرب الشقيق، ويأتي أيضا رجال الأعمال إلى هنا ويذهب رجال الأعمال المغاربة إلى المملكة، وهناك أيضا اللجنة السعودية المغربية المشتركة على مستوى وزراء الخارجية، وممثلة من كل القطاعات بما فيها التجارة وهي مهمة جدا لكن المشكلة ليست في هذه الممثليات. مشكلة الاستثمار العربي إذن أين المشكلة؟ أصارحك بأن المشكلة في السلوك الشخصي لرجل الأعمال المغربي والسعودي في التعامل، الذي أصبح فرديا أكثر منه مؤسساتيا أو قانونيا، أو بالأحرى التعامل الودي، وهذه نقطة ضعف كبيرة تختلف عن غيرنا، أنا متأكد من أن رجل الأعمال السعودي عندما يذهب إلى أوروبا أو أمريكا أو الصين أو ماليزيا لعمل تجاري، يؤطر ذلك من الناحية القانونية، ويذهب إلى مؤسساتها الحكومية لكي يصل إلى مبتغاه، لكن في المغرب في الغالب لا يسلك هذه الطرق إنما يسلك طريق صديق أو قريب أو معرفة فلان، وعندما يقع في مشكلة، يستنجد بالسفارة، وهذه نقطة ضعف كبيرة نجدها في المغرب، لا يأتون إلينا إلا عندما يقعون في مشاكل، وهناك مشاكل أحيانا تقع بأن ذلك الوسيط أو الشريك غير جاد، لكنه يقول للجانب السعودي سأجنبك خطوات كثيرة يمكن أن تكلفك الكثير من المال، وعندما نعود للواقع نرى أنه يدفع أموالا كثيرة، ولا يعود قادرا على أن يعمل الشيء الكثير، وبالتالي يصل إلى نقطة اللانهاية أو اللامردود، ثم يستنجد بالسفارة، أقول إن مشكلتنا في المغرب هي العلاقات الشخصية بين رجال الأعمال التي دائما تكون مرتبطة بالعاطفة، سواء عاطفة القرابة أو عاطفة أخوة أو عاطفة صداقة، هذه المشاكل هي لب المشكلة في المغرب، ولهذا لم أجد أن هناك قاعدة قانونية جيدة تستطيع أن تحفظ للسعودي والمغربي حقوقهما، لأنهم لا يؤطرون ذلك من الناحية القانونية، وهذه مشكلة كبيرة ونتمنى أن يزداد الوعي، وحبذا لو جاءنا رجال الأعمال لنعطيهم شيئا من النصح، ونضع أيدينا في أيديهم، ونتأكد من أن هذه الأرض عليها مشاكل أم لا، وهل هذا الرجل عليه مشاكل سابقة أم لا؟ وما مستواه المادي؟ ونتصل بالدولة ونتعرف عما إذا كان مسموحا بالأمر أم هناك عقبات إدارية خفية، وهذه نقاط أساسية، وأعتقد أن هذه ربما مشكلة في كثير من الدول العربية ليست في المغرب وحدها، وهي المشكلة بين الاستثمار العربي العربي، لكنني أعترف بوجود قصور من جانبنا في السفارة حول تنمية العلاقات الاقتصادية، وزيادة التدفق الاستثماري بين الدولتين، وسنعمل على تجاوز هذه المشكلة. خدمة المواطن كيف تفعلون التوجيهات الكريمة بشأن فتح السفارات أمام جميع المواطنين، وحل إشكالياتهم؟ أهم محورين وجه بهما خادم الحرمين الشريفين أثناء الاجتماع الدوري لسفراء المملكة في الخارج، الاهتمام بالرعايا صغيرهم وكبيرهم مهما كانت مرتبته، ومهما كان موقعه الاجتماعي، وكان هذا التوجيه واضحا بالاهتمام بالرعايا منذ قدومهم إلى البلاد الأجنبية حتى خروجهم منها، شاملا ذلك المشاكل التي يمكن أن يتعرض لها السعودي سواء من الناحية الاجتماعية، أو من الناحية التي ترتبط بالأمن أو لتسهيل الأمور العادية التي يمكن أن يحتاج فيها السفارة، مثل الذين يأتون إلى الزواج أو كذلك الذين يحتاجون إلى خدمات أخرى، أو ما يعترضهم أثناء السفر مثل الأمراض، وكذلك المنقطعون الذين ليس لهم من يعولهم في ذلك الوقت، أو من انتهت الأموال التي أحضروها معهم، فقد كان توجيه خادم الحرمين الشريفين واضحا في هذا الموضوع ولم يستثن قط أي مشكلة أو أي مستوى من الرعية؛ لذا سفارة المملكة في المغرب تفتح أبوابها، ومكتب السفير مفتوحة أبوابه منذ الصباح الباكر حتى انتهاء العمل، ولا أعتقد أن هناك سعوديا أراد مقابلة السفير أو مقابلة أي فرد من أفراد السفارة ولم يحصل على ذلك، وفي نفس اليوم الذي يأتي فيه إلى السفارة، ونحن مستمرون في هذا النهج إضافة إلى ذلك أيضا كل يوم جمعة من كل أسبوع سيكون هناك صالون مفتوح للقاء السعوديين الذين يرغبون في الحضور إلى السفارة، وشرح مشاكلهم والتعرف أيضا على إخوانهم من منسوبي السفارة، هذه خطوة أخرى لمن يريد التعارف والتوافق بين الرعية وبين موظفي السفارة، والسفارة لم توجد إلا لخدمة المواطن في الأساس ولهذا ما يقوم به السفير وزملاؤه الكرام هي خدمة المواطن الكريم