لم تجد أم مسنة بدا من إصدارها حكما قاسيا على أحد أبنائها بالحبس داخل حجرته بمنزلها الكائن ببطحاء قريش بمكةالمكرمة منذ ستة أعوام ماضية بعد أن أرهقتها المراجعات الدؤوبة في محاولة منها لعلاجه من الحالة النفسية المتردية التي عصفت به وتبدلت معها حياتها لشقاء. الخمسينية «ف.أ.ح» تحكي قصة ألم ومأساة والدموع تنهمر من عينيها بغزارة: «ليس هينا على كل أم أن تصدر بذات اليد التي أحن من الندى في هطوله على ابنها قرارا بحبسه لكنها المخاوف التي انتابتني على حياته وحياة الآخرين، فهو يعاني حالة نفسية خشيت أن يتسبب من خلالها في الأذى لنفسه أو للآخرين، لا سمح الله»، مشيرة إلى أنه وعلى الرغم من تدهور وضعها الصحي لإصابتها بعدة أمراض مزمنة إضافة إلى آلام المفاصل فإنها لم تتوان بمراجعة الجهات الرسمية ذات العلاقة، بل جلبت عددا ممن يدعون فهمهم للرقية الشرعية ما كلفها الكثير دونما أي نتائج على حالة فلذة كبدها التي وصفتها ببلوغها أشد درجات التدهور الصحي. انعزال وهستيريا تصف تلك الحالة بمشاعر يعتصرها الألم: «بدأت حالة ابني في التدهور منذ ستة أعوام حينما طلقني والده ليقضي ما تبقى من حياته مع زوجة أُخرى، وهو ما نزل على ابني صدمة قوية لشدة تعلقه به وبي معا، وهو ما أثقل عليه خبر انفصالنا ليبدأ بمراجعة المحاكم الشرعية على أمل أن يجد لنا ما يستطيع من خلاله إرجاعنا، وهو ما لم يتسن له ليبدأ بالعيش منعزلا عمن حوله رافضا حتى الذهاب إلى مدرسته، إلى أن ظهر ذات ليلة في صورة هستيرية قمت معها بنقله لمستشفى الملك عبدالعزيز بحي الزاهر، حيث أدرجوه بعد عدة فحوص طبية ضمن المرضى النفسيين». وتوضح الأم المكلومة أنها دأبت على المراجعة به حتى أثقل كاهلها مصاريف تنقلاته بسبب الفقر والحاجة التي تعيشها، ولم تخف أنها وابنها عاشا معاناة طوال ليال كثيرة أسدلت عليهما ظلماتها وهما يتمنيان ولو خبزا يابسا يسدون به جوعهما ومن مياه الصرف الصحي ما يرويان به عطشهما، مشيرة إلى أنها سبق أن ناشدت الضمان الاجتماعي بتحسين وضعها المادي حيث لا تتقاضى سوى 800 ريال في ظل الغلاء الفاحش، الذي قالت إنه نهش كل مقومات الرحمة والتكافل بين أبناء المجتمع: «الضمان الاجتماعي يصر على عدم تسجيل ابني ضمن المستفيدين لديه». غرامة مريض نفسي مع هذا الوضع وجدت نفسها ضاحكة بسخرية من موقف غريب: «اكتشفت ذات مرة أن ابني المريض المحبوس بالسلاسل والحبال منذ ستة أعوام لم يتمكن معها الخروج من المنزل للشارع بأن عليه مبلغ 18 ألف ريال لدى حاسب إدارة مرور العاصمة المقدسة تحت بند مخالفات مرورية»، مؤكدة أنها وقبل إصابته بالمرض النفسي دفعت ما عليه من مخالفات حينما كانت تنوي فتح سجل تجاري له يعينهما على مشاق الحياة إلا أنها لم تتمكن من إتمامه لضعف السيولة المادية». لا تسلسلوني الابن المريض وأثناء تصويره كان يردد أنه يريد بابا سلطان ليعالجه، بجانب تشبيهات معنفة ووحشية وجهها لوالدته، وهو يصرخ: «اقتلوني ولكن لا تسلسلوني، هناك أنواع من الدواب الشديدة السواد تحضر لي في منامي تريد قتلي بنفثها سمومها بداخلي». دراسة الحالة اجتماعيا من جانب آخر أكد المدير العام للشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة عبدالله آل طاوي أنه سيوجه شخصيا بتشكيل لجنة تحوي أقساما ذات علاقة بوضعية الابن المريض وزيارته وزيارة والدته وعمل دراسة مستوفاة عن حياتهما من كافة جوانبها المعيشية والاجتماعية ومن ثم البت بحسب توصيات اللجنة. فيما طالبت إدارة مرور مكةالمكرمة بأهمية مراجعة أي من أقرباء المريض للبت حول المخالفات التي ظهرت عليه، وأوضح الناطق الإعلامي بإدارة المرور الرائد مهندس فوزي الأنصاري أنه وحال مراجعة من ينوب عن المصاب سيتم وعلى الفور التحقيق في الأمر .