أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أن المملكة انتهجت سياسة نشر ثقافة الحوار والتواصل بين الحضارات والثقافات لتعزيز التعايش والتفاهم وشائعة القيم الإنسانية كمدخل لإحلال الوئام محل الصدام، وهو ما يساعد على تخفيف حدة التوترات ونزع فتيل النزاعات وتحقيق الأمن والسلام المنشودين، وذلك انطلاقا من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، دين الاعتدال والوسطية والتسامح. وأوضح في كلمته التي ألقاها نيابة عنه وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، الذي يرأس وفد المملكة في منتدى تحالف الحضارات الثالث الذي افتتحه، أمس، في ريودي جانيرو الرئيس البرازيلي لويس إنياسيو لولا داسيلفا، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وعدد من قادة دول العالم، تحت عنوان «التواصل الثقافي لإرساء السلام»، أن «المنتدى يكتسب أهمية خاصة في ضوء ما يواجهه العالم من تحديات وأزمات تستوجب تعاوننا وتضافر جهودنا وتكامل خطواتنا، إضافة إلى ضرورة التصدي المشترك لما نشهده من عنف وإرهاب من قبل فئات متطرفة ترفع لغة الكراهية وتنبذ الحوار وتسعى للهدم وتأجيج الصراع والنزاع». وبيّن خادم الحرمين الشريفين، أن المملكة على الصعيد المحلي نشرت ثقافة الحوار على أوسع نطاق، وأنشأت مركزا وطنيا للحوار يشارك فيه جميع مكونات المجتمع السعودي: «كما أولينا عناية خاصة بتطوير برامج التعليم ومحو الأمية وتوفير فرص التدريب والتأهيل للعمل، ومما يدلل على الانفتاح نحو مختلف الثقافات ابتعاث قرابة 90 ألف طالب وطالبة للدراسة الجامعية في 14 دولة في القارات الخمس، كما تم بحمد الله افتتاح جامعة للعلوم والتقنية لتحتضن طلابا وطالبات من جميع أرجاء العالم يتعاونون سويا على توظيف العلوم والتقنية لما فيه خير الإنسانية». وقال: «في الشأن الاجتماعي تعمل حكومة المملكة كذلك على ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في القطاعين الحكومي والمدني، ونشر ثقافة حقوق الإنسان في المدارس والجامعات، كما تدعم حكومة المملكة جهود المحافظة على الترابط الأسري باعتباره الركيزة الأساسية للترابط في المجتمع وخط الدفاع الأول ضد انحراف الشباب واستقطابهم من قبل مروجي الأفكار المتطرفة، إضافة إلى اعتماد برامج ومشاريع للنهوض بالمرأة السعودية وتمكينها من المشاركة الفعالة في جميع مجالات الحياة، ولا نقول إننا أنجزنا كل ما نصبو إليه، لكننا على الدرب سائرون بإذن الله». وأضاف خادم الحرمين الشريفين: «جاءت مبادرتنا الداعية للحوار بين أتباع الديانات والمعتقدات لإزالة سوء الفهم ونبذ مظاهر الخلاف والعداء والكراهية والتركيز على مجالات التعاون الرحبة دون المساس بأصول المعتقد، وتهدف المبادرة إلى تعزيز الجهود المتعددة القائمة والفاعلة في هذا المجال، وتحقيق المزيد من التعاون والتكامل معها، لتصب جميعها في خدمة المشترك الإنساني الداعي للخير والمحبة والسلام بين البشرية جمعاء، وسارت مبادرتنا على مسارين متوازيين سياسي وثقافي». وأكد أنه على المسار السياسي انعقدت القمة الإسلامية الاستثنائية في مكةالمكرمة في ديسمبر 2005، بدعوة منه لتؤكد مجددا نبذ العنف والتطرف والإرهاب، ونشر قيم الحوار والتسامح والاحترام المتبادل، وكذلك انعقد الاجتماع رفيع المستوى الذي دعت له الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 2008، لتوفير أوسع وأعلى دعم سياسي ممكن لجميع مبادرات الحوار والتفاهم ونشر ثقافة السلام: «وأكدنا حينها إيماننا بأن الإرهاب والإجرام عدوان لكل دين وكل حضارة، وأن حوارنا بطريقة حضارية كفيل بإحياء المثل العليا السامية وإعادتها إلى الشعوب والأمم، وهذا سيمثل انتصارا باهرا لأنبل ما في الإنسان على أسوأ ما فيه، ويمنح الإنسانية الأمل في مستقبل يسود فيه العدل والأمن والحياة الكريمة على الظلم والخوف والفقر». وذكر خادم الحرمين الشريفين أنه على المسار الثقافي، اجتمع علماء الدين المسلمين، بجميع مذاهبهم وطوائفهم، في مكةالمكرمة في 30 مايو 2008، لترسيخ حقيقة الدين الإسلامي ورسالته القائمة على الحوار والسلام، ثم انعقد في مدريد بين 16 و 18 يوليو 2008، المؤتمر العالمي للحوار والذي ضم ممثلين عن جميع الأديان الرئيسية ليكون كما عبرنا عنه حينها «حوارا مناصرا للإيمان في وجه الإلحاد، والفضيلة في مواجهة الرذيلة، والعدالة في مواجهة الظلم، والسلام في مواجهة الصراعات والحروب، والأخوة البشرية في مواجهة العنصرية»، وتضمن إعلان مدريد الذي صدر بالإجماع أهمية احترام كرامة البشر والاهتمام بحقوق الإنسان وتعزيز السلام والوفاء بالعهود والمواثيق وحماية حق الشعوب في الأمن والحرية وتقرير المصير، وهي الأسس لبناء العلاقات الجيدة بين كل الشعوب، وتحقيق ذلك كله من الأهداف الرئيسة لكل الأديان ولكل الثقافات المعتبرة. وأشار إلى أنه تجري حاليا جهود حثيثة لتأسيس مركز عالمي للحوار يضم ممثلين عن جميع الأديان الأساسية، ويعمل بكل استقلالية بمعزل عن أية تدخلات سياسية. وأكد خادم الحرمين الشريفين أنه إيمانا من المملكة بأن التعدد الثقافي يثري الحضارة الإنسانية، فقد قامت بتعزيز جهود التواصل الحضاري والثقافي مع الدول الصديقة، وذلك من خلال دعم المنظمات والمؤسسات التي تعنى بالثقافة والفكر سواء منها الدولية أو الإقليمية أو المدنية، كما شهدت منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو» أخيرا احتفالية توزيع جائزتنا العالمية للترجمة، كما تشارك المملكة بفاعلية في المنظمتين العربية والإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وتدعم المؤسسات التابعة للمجتمع المدني مثل جائزة الملك فيصل العالمية ومؤسستي «البيت العربي» و«المعهد الدولي للدراسات العربية والإسلامية في إسبانيا»، ومؤسسة «الفكر العربي» وغيرها، وتدعم كذلك تأسيس كراسي للدراسات في العديد من الجامعات العالمية، ومنح جوائز تقديرية محليا وعالميا لتشجيع البحث العلمي والإنساني، إضافة إلى تشجيع فعاليات التبادل الثقافي والشبابي بين المملكة وجميع الدول الصديقة. وأعرب خادم الحرمين الشريفين عن أمله في أن يخرج الاجتماع بالمزيد من الخطوات الإيجابية والمبادرات المشتركة التي من شأنها نشر ثقافة الحوار وتشجيع الفهم المشترك والاحترام المتبادل بين جميع بني الإنسان ولما فيه خير الإنسانية .