يشكل هاجس الولادة المبكرة أحد الأعاصير المدمرة لأحلام الزوجية أثناء فترات الحمل خصوصا لو تكررت فصولها للعائلة نفسها بسبب الآثار المدمرة التي تخلفها السحب المرافقة لها، فالمتعارف عليه علميا أن ولادة الجنين بين الأسبوعين الرابع والعشرين والسابع والثلاثين تعتبر مبكرة تحمل في أحداثها ونتائجها مضاعفات صحية كبيرة على المدى القريب والبعيد وعلى المولود الجديد القادم. استشارية النساء والتوليد بتبوك الدكتورة اكتمال الحاج أرجعت سبب الولادة المبكرة إلى عدم اكتمال مراحل النمو وعدم مقدرة الأجهزة المختلفة على أداء وظيفتها بالشكل المناسب والصحيح وخصوصا وظيفة الجهاز التنفسي والرئتين بالتحديد، وارتباط ذلك بتأثر وظائف القلب والدماغ والكبد وبقية الأعضاء، وتمثل الولادة المبكرة 12-15 % من مجموع الولادات، وتعتبر السبب الرئيسي لوفيات الأطفال حديثي الولادة «أطفال الخدج» غير مكتملي النمو. وعلى الرغم من التقدم الهائل في التقنيات العلاجية والكفاءات الطبية ووحدات الخدج المؤهلة، والتي تقلل نسبة الوفيات والإعاقات المرتبطة بالولادة المبكرة إلى حد نحترم نسبته اليوم مقارنة بالماضي: «إلا أنه نادرا ما نسمع عن وفاة جنين ولد بعد الأسبوع الثلاثين من الحمل بسبب ولادته المبكرة، لو توافرت الظروف الصحية المثالية التي يحتاج إليها مثل هذا النوع من الولادات من حاضنات وعلاجات وأيادٍ مدربة للتعامل مع الأطفال الخدج الذين من المنطق أن يعانوا مشكلات صحية تبدأ بظروف الولادة والوزن القليل ومرورا بعدم اكتمال نمو الأعضاء وفرصة النزيف الداخلي وعدم توافر الحاضنات بأقسام الخدج بالكمية المناسبة لنسبة حدوث مثل هذا النوع من الولادات، وخصوصا بزيادة نسبة الحمل المتعدد الأجنة كنتيجة متوقعة لتناول المنشطات الهرمونية للإباضة، وتقنيات المساعدة على الحمل بالتلقيح خارج الرحم، وزيادة معدل الخصوبة غير المنظم، وعدم توافر غطاء التأمين الصحي الذي يسمح بصرف غير محدد»، وتضيف: «المعادلة المؤسفة أن الاجتهاد بتحليل الأسباب، ورسم الخطط العلاجية، يكثر من المتهمين والضحية واحدة طول الوقت». آلية الولادة المبكرة ولتفسير المعادلة الصحية بأركانها الصحيحة هدف لتخفيض نسبة المواليد الخدج، وما تحمله هذه الولادات من صعوبات صحية وبشرية ومادية وتأثيرات مدمرة: «لذلك يجب التسلح بالجرأة والإفصاح والبحث عن الأسباب المتعلقة بذلك، وعليه فهناك حاجة وطنية وعائلية إلى التعاون لتحديد الأسباب وتحليلها وفهمها، والتي تهدف إلى تحديد حالات الحمل المرشحة للولادة المبكرة، وبرمجة الرعاية الصحية لمثل هذه الحالات بوحدات طبية متخصصة بل وبرمجة حدث الولادة بوحدات مؤهلة من حيث الأفراد والإمكانيات للتعامل معها، وتكون أركان مثلث البحث تهدف بمنع الحدوث ما أمكن، والتشخيص والعلاج المبكر، ويفضل أن يكون ذلك قبل حدوث المضاعف الأهم الذي يسبق الولادة المبكرة وهو نزول السائل الأمنيوني المحيط بالجنين، والذي يرشح الأم والجنين لمزيد من المخاطر الصحية والتي تستحق الإشارة الحمراء لمنع حدوثها، فأمر كهذا يشكل قمة الطوارئ الصحية للأم والجنين لإلزامية الولادة تفاديا لمضاعفات مدمرة تحليل آلية الولادة المبكرة لم يفسر علميا بالشكل الصحيح المقنع، وحتى توقيت الولادة المكتملة ذاتها بنظرياتها لم ترق لدرجة الإجماع بالقبول». ضيف تحت العناية سرد الأسباب لا يعني بالضرورة إلزامية الحدوث، تتابع الحاج: «ارتبط الحدث مثلا بالتاريخ المرضي لحدوث النزيف الرحمي أثناء مراحل الحمل، أو وجود توسع و/أو التهاب بعنق الرحم، ووجود تمدد زائد بجدار الرحم وفوق المعدل كما في حالات الحمل المتعدد الأجنة، ووجود مؤشرات التهاب و/أو ارتفاع بالحرارة بجسم السيدة وخصوصا في النصف الثاني من الحمل، ووجود بؤرة مشعة ومصدرة لتكرار الالتهابات بظروف التغيرات المرافقة للحمل، ووجود التغيرات الهرمونية الناتجة عن الضغط النفسي للسيدة الحامل وما يصاحبه من خلل وظيفي وخلق بيئة صحية تمنع التروية الدموية اللازمة للرحم والجنين خصوصا عند النساء المدخنات، ووجود تاريخ مرضي لولادة مبكرة سابقة ودون البحث عن سببها ومعالجته إن أمكن، وكلها أمور قد تتسبب بحدوث الولادة المبكرة، فضلا عن الجنين بحد ذاته الذي قد يلعب دورا بتوقيت بداية الولادة، فبديهية التحليل تفرض الاعتراف بأن الجنين يبدأ حياته ضيفا في مقر إقامة رباني محكم، يتوفر له بداخله جميع أركان النمو والرفاهية والحماية والتغذية دون جهد، ولكنه قد يسهم بالنشاط المبكر وقبل الموعد بتنشيط المعادلة الهرمونية لعلاقة الجنين بالخلاصة بالولادة، ويعتبر عامل العمر بحدود أعوام الإنجاب مؤشرا ومؤثرا في هذه الولادات خصوصا لو تزامن ذلك مع ضعف بالقدرات المادية والجسمانية، بل وهناك علاقة مطردة بين الولادة المبكرة وظروف الحياة الضاغطة مثل ضعف الدخل المادي وضعف فرص التغذية السليمة والرعاية الصحية واستمرار مسلسل المشكلات العائلية، وضغوطات العمل، والتكيف المعيشي في بيئة منزلية غير صحية وآمنة، واضطرار السيدة إلى القيام بالأعمال المتعددة المرهقة التي تحرمها من فرص المرور بمراحل الحمل بصورتها الطبيعية، فضلا عن إهمال السيدة لظروفها باتباع برامج وسائل المباعدة على الحمل والإنجاب، لتستقر في واقعها وظيفة فسيولوجية كماكينة تفريخ سنوية دون فترات الصيانة والراحة، ودون احترام قواعد الزوجية والأمومة بشكلها الصحيح ولو بدرجات معينة». الخريطة العلاجية يكون الأمر مؤسفا لو اجتمع أكثر من عامل من هذه العوامل ودون التخطيط الصحيح لمستقبل الطفل القادم في ظروف العائلة المتغيرة بصفحاتها الواقعية وغير المبالغة، تضيف الحاج: « يولد فرد جديد للمجتمع يصارع لأساسيات الاستمرار بهدف توفير الحد الأدنى بظروف مجهولة ومستقبل غامض وغير مقدر، ولا يفصله بعامل الزمن سوى شهور عديدة وتتضاعف مصائب هذا الطفل لو قدر له رؤية النور قبل اكتمال مرحلة الحمل، ليدفع ضريبة لمتعة غيره ومحدودية تفكيره وتشير الدراسات المتعلقة بهذا الأمر إلى عدم خضوع السيدة المرشحة للولادة المبكرة لبرامج الرعاية الصحية المنذرة، وعلينا نحن أفراد المعشر الطبي التدخل في توقيت مفاجئ لإنقاذ حياة طفل ونبذل جهودا نتمنى أن تكلل بالنجاح، علما بأن هناك حالات عديدة يمكن معها توقع وتفسير أسباب الولادة المبكرة ومعالجتها بل ورسم الخريطة العلاجية لظروفها منذ البدايات ببرامج صحية وتثقيفية، وربما يكون من المناسب التوضيح أن البحث عن السبب يفسر بالعلاج المناسب، وهناك العديد من العقاقير العلاجية التي تساعد بشكل محدد لمنع حدوث الولادة المبكرة أو تأخير حدوثها ما أمكن، ومنها برامج العلاجات الهرمونية المثبتة للحمل والتي يجب أن تبدأ بوقت مبكر، ولا يفيد في استعمالها مبدأ الفزعة الطبية وقت الشكوى، وهناك من العقاقير العلاجية التي تؤثر بشكل مباشر في المستقبلات العصبية المعنية بالولادة فتمنع تأثرها ونشاطها بإبطال مفعول حساسيتها قبل الوقت المناسب، ويفضل البدء باستعمالها وقائيا لمحدودية فعلها علاجيا، وهناك الحقن العضلية المعنية بتنشيط وتسريع نشاط الأنزيمات المعنية بالنشاط الرئوي، فتزيد من فرصة اكتمال نمو الرئة والتخطيط للولادة ضمن المستشفيات التي تتوفر فيها أقسام الخداج المجهزة بالحاضنات المناسبة للأطفال الخدج»