إلى أين يذهب الطفل بعد أن يتصل طالبا المساعدة، ويبلغ عن والده الذي يتسبب في إيذائه بالتحرش أو الضرب والتعذيب؟ هل يبقى مع المعتدي في البيت؟! ألن يعاقبه على فعلته لأنه «والده» وولي أمره؟ أم سيذهب إلى مكان آخر؟ وهل المكان الآخر آمن أكثر؟ سؤال كبير ألقاه طفلي الصغير أمامي بكثير من السخرية وعدم الثقة بعد مشاهدته إعلانا مهما يرشد إلى الاتصال بالرقم 1919 عند التعرض لأي عنف أسري. ألقاه كأنه يعي مثلنا تماما أن السور عال والطريق طويلة. سؤال علق الجرس، وأسدل قائمة أخرى من الأسئلة، فمثلا لماذا خرجت جارتي ليلا وسرا من بيت أهلها؟ وعادت لبيتها بكدمة بالرأس وجرح مقطوع وكرامة مكسورة سببها الزوج؟ لماذا قطعت علاقتها بوالدتها وأشقائها بخروجها الذليل دون أن تنتظر حكم المحكمة في قضيتها ضد زوجها؟ لماذا تخاطر بنفسها لتحمي أولادها من ظلم يتذوقونه يوميا دون أن تأمل حلا أسرع وأجرأ وأكثر نصرة؟ ولماذا يظل محمد نزيل مستشفى حكومي لمدة طويلة بعد بتر قدميه؟ يتجول بكرسيه المتحرك، ويرفض الخروج إلا بقدمين صناعيتين؟ لماذا لم يكن له خيار آخر غير السكن هناك بين الأنين والمرض؟ لماذا عندما حُرم من وجود عائلة تضمه وترعاه أصبح سرير في مستشفى هو المكان الوحيد الذي يليق به؟ صيغ مختلفة لأسئلة مكررة، لكنها محرجة. تحرجنا أمام ضمائرنا، وتجاه مسؤوليتنا عن مجتمع لا يزال أفراده ينتظرون خريطة طريق، ويأملون في إجابة ملموسة، من مؤسسات مدنية واعية، تجيب بدقة، وبإلزامية، وبقدرة تتخطى مجرد إحصائيات. ألف سؤال وسؤال، جائزة الإجابة عنها عمر أجمل وحياة أكثر اتزانا وأمانا يمنح الأجيال قوة تسندهم وتدعم معرفتهم بحقوقهم وتردع كل من يختال بسلطته ويظلم باسمها.