لم يعد لدي يقين بأهمية وفاعلية تصنيف النصوص الأدبية بحسب الجنس الأدبي. التجنيس الأدبي مُدان لأنه محدود، ولأنه «إطار» يقيد أكثر مما يساعد على إطلاق الأفكار وتحريرها. في كتابي الرواقي وصفت شكل كتابة الكتاب من داخله بأنه: «هوس الكتابة التي تهرب من قيد التصنيف الجائر ومن أغلال المسميات البائتة». لهذا، وبشكل مبدئي، لا أرى مشكلة في طرق أكثر من شكل كتابي ليقيني أن الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية بدأت في التداعي. بشكل آني، أي لو أنني فعلا كاستجابة لما هو سائد الآن خاضع للتجنيس ومؤمن به، سأجد أيضا أن الرواقي جاءت لقول ما لم يستطع قوله الشاعر أو الناقد!. الرواية نصف متعلم ونصف عاقل ونصف ثرثار. الشعر لا يحتمل القول الفائض، كما أن التنظير والتطبيقات النقدية التي مارستها في ثلاثة كتب تركت في داخلي شيئا لم أستطع إيضاحه لأن النقد مؤطر بشكل صارم. بقيت تجربتي في كتابة «سيرة افتراضية» التي جاءت في ثلاثة كتب، عندما أفكر في تلك التجربة لا أجد في الأمر أي انتصار لزمن متخيل ورديء اسمه زمن الرواية بسبب أن الرواقي تأتي تالية لتلك الكتب السردية/ الشعرية الثلاثة. أيضا يمكن أن يضاف إلى هيمنة اسم الجنس الأدبي إشكالية تتعلق بمحدوديته من حيث فاعلية إنتاجه المستمرة، فالمقامات على سبيل المثال؛ كنموذج يمكننا أن نتساءل بشأنه: أين هي الآن؟ وما مصير بقية المقامات بخلاف ما وصل إلينا؟ لم يبق منها، بالتأكيد، سوى بعض نصوص صالحة للاستخدام المدرسي فحسب، فقد انتهت فاعليتها كجنس أدبي لعدم قدرتها على الاستمرار، وبالتالي لا بد أن تكون نماذج كثيرة من المقامات سقطت في الطريق. وهذا ما يعني مستقبلا أن بقاء نصوص كثيرة من إنتاجنا الأدبي الآني سيكون رهنا بقدرة الجنس الأدبي على الاستمرار مستقبلا. وأخيرا، من يتأمل بعض الأجناس الأدبية يجد أنها تشكو من التداخل الذي يصل حد الالتباس، فالسيرة يمكن أن تكون رواية بحسب نظرة القارئ إليها أو العكس. لكل هذا بت على ثقة أن «الكتابة» هي الجنس الأدبي الوحيد الذي سيبقى، بغض النظر عن المسميات الجائرة التي نتوارثها، ويؤمن بها كثيرون من محبي الكتابة على الخطوط والأحرف «المنقطة» سلفا.