اصطف من تجاوزت أوزانهم 50 كيلوجراما، وتعدت أعمارهم 18 خريفا، طلبا لوخزة إبرة، تريح ضمائرهم الحية، تأكيدا للولاء الذي تعلموه بإنقاذ الآخرين. ولم تكن عدوى الدم التي اجتاحت جنبات ثانوية الصديق (شرق الرياض) سوى إطلالة جديدة على مبادئ الأخلاق التي كرستها وزارة التربية والتعليم في صفوف النشء والتربية الصالحة التي زود به أولياء الأمور أبناءهم قبل أن يهبوهم لطلب العلم، فكانت النهاية أكياسا من الدماء الطاهر، ملأت العربة المخصصة لنقل الدم، والقادمة من مستشفى الملك فيصل التخصصي. الموعد والإجراء كان المجتمع حتى وقت قريب لا يعرف من التبرع بالدم سوى حملات تجوب المؤسسات الحكومية؛ أملا في كمية من الدم، تواكب ما يستنزف من المصابين، ويدرأ موجات الألم والمعاناة التي يعيشها المرضى، إلا أن ثانوية الصديق بدلت المفهوم، وتحت شعار ممنوع لأقل من 18 عاما، رفعت راية التبرع، ليأتي الطلاب في المقدمة، والمعلمون في المقدمة، ويبدأ التنافس بين الفئتين، في ظل التناغم على العمر والوزن. واللافت للنظر أن الحملة الشبابية التي خصِّصت دماؤها لمرضى السرطان والقلب واكبت أخرى منها حملة وزارة الخارجية للتبرع بالدم داخل السعودية وعبر ممثلياتها في الخارج، وحملة موظفي البنك السعودي الفرنسي بالتعاون مع مستشفى الملك فيصل التخصصي وغيرها من حملات التبرع الخيرية، في ظل الهدف الأوحد الذي يعني علاج المصابين. مبادرة ثلاثية يعترف صالح البراك مدير المدرسة الثانوية بأن مبادرة أول حملة شبابية ولدت بعد اجتماع بينه وبين علي العبدالكريم رائد النشاط ووكيل الصف الثالث؛ إذ تمت الموافقة على إطلاق الحملة، مع أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيلها على أرض الواقع وفق الإجراءات النظامية، فتمت مخاطبة مركز الإشراف التربوي بحي الروابي، حيث بارك قيادات المركز الخطوة التطوعية؛ لما فيها من فوائد إنسانية نبيلة تعود على المحتاجين لهذا الدم. وأضاف: ما إن حصلنا على موافقة المركز حتى خاطبت إدارة المدرسة مركز الأبحاث في مستشفي الملك فيصل التخصصي الذي تجاوب مع الحملة، وأبدى تعاونا للإشراف عليها بإرسال عربة مجهزة بفريق طبي من خمسة أطباء وممرضين اثنين، فجرى توجيه الخطابات إلى أولياء الأمور لأخذ الموافقة، فيما تشكل فريق إداري مكون من المرشد الطلابي ووكلاء المدرسة لإنجاح الحملة. تبدد الخوف وما إن بدأت حملة التبرع، وراحت الإبر تغرس نفسها في جلود الطلاب، حتى علت الابتسامة الوجوه، وسادت حالة من الارتياح داخل أوساطهم، لتبادر “شمس” الطلاب، بالسؤال: “ابتسامة مع الوخزة؟”، فيأتي الرد من الطالب صالح البازعي، قائلا: “يكفيني العمل الخيري لأشعر بارتياح الضمير، ولا أشعر الآن بوخزة الإبرة نهائيا”، مشيرا إلى أنه يتبرع للمرة الأولى في حياته، وشجعه الأهل على هذا العمل الخيري؛ لأن هناك من هم بحاجة ماسة إلى قطرة دم قد تنقذ حياتهم، آملا أن يوفق في تكرار التجربة لاحقا، بعدما اكتشف أنها بسيطة جدا. أما زميله عبدالعزيز الثنيان الذي كان من أوائل من ارتشفوا علبة العصير، بعدما تشرف دمه بالانضمام إلى قافلة التبرع الخيرية حسب وصفه فقال: “أشعر بالسعادة لإقبال زملائي على التبرع، وسأقيم مأدبة على شرف التبرع الناجح”. ولا يخفي الطالب سعود البقمي أنه كان يخاف من منظر الإبرة، في المستشفيات، لكنه الآن غيّر فكرته نهائيا؛ إذ تملكته الشجاعة والمبادرة عندما شاهد جرأة زملائه، ومشاركتهم في الحملة، ليقرر التبرع، خصوصا أن العمل خيري وثوابه عند الله عظيم، وسيحرص لاحقا على مواصلة التبرع. كما كان الطالب عبدالعزيز الجبرين أول المتقدمين لكسر حاجز الخوف الذي ينتاب الطلاب من الإبرة؛ طمعا في ثواب الله تعالى، وقال: “أملي أن تبادر المدارس الأخرى إلى تطبيق الحملة، وانتقال العدوى الحميدة إليها؛ كي تستمر مثل تلك الحملات الإنسانية التي تخدم المرضى والمصابين”. أما الطالب جلال الفريحي فيبدي شعوره بالسعادة البالغة بعد التبرع؛ لأنه قدم عملا نبيلا للمرضى والمحتاجين، فيما قدم الطالب عبدالسلام العمري شكره إلى كل القائمين على الحملة التى كانت بمنزلة محاولة ناجحة من إدارة المدارس لغرس القيم النبيلة في نفوس الطلاب. سعادة وراحة وأوضح الطبيب فلاح المسردي قائد الفريق الطبي أنه تم الكشف الطبي الدقيق على كل متبرع، وأجريت له كافة الفحوصات المخبرية اللازمة للتبرع؛ للتأكد من قدرة المتبرعين على التبرع، ثم تعبئة البيانات اللازمة والمعلومات الشخصية، وهو ما أسهم في سلاسة عملية التبرع مع توافر الإمكانيات اللازمة لإنجاح الحملة، مشيرا إلى أن المتبرعين شعروا براحة نفسية وكانوا سعداء للغاية بالتبرع، وأوضحوا أن التبرع في المقام الأول لوجه الله تعالى، ثم لتقديم المساعدة إلى المحتاجين من المرضى والمصابين في الحوادث.