في نصوص دساتير معظم دول المعمورة توجد ثلاث سلطات، السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية. وغالبية الدساتير تقر مبدأ فصل السلطات، ولعل أبرز من شكل مفهوم فصل السلطات مونتسكيو في كتابه الشهير (روح الشرائع). إلا أنه جرى العرف على اعتبار الصحافة السلطة الرابعة بما تمثله من تشكيل للرأي العام تجاه قضية أو حدث أو حراك، أو ما يتعلق بالحفاظ على حقوق المواطنين المنصوص عليها بالدساتير. وهي تراقب ممارسات القائمين على السلطات الثلاث منبهة إلى أي خلل قد يحدث، أو إساءة استخدام السلطة، أو التنفع غير المشروع، أو غياب العدالة والحرية. الصحافة كسلطة رابعة لا تقل في أهميتها عن أي من السلطات الثلاث، فلم يخرج نيكسون من البيت الأبيض سوى الواشنطن بوست عندما كشفت فضيحة وترغيت، والتعذيب في سجن أبو غريب، وأحداث عديدة كانت الصحافة المفعل الأكبر للسلطات الثلاث تجاهها. لا تستطيع الصحافة أن تكون فاعلة ومؤثرة ومساهمة في بناء المجتمع ما لم تتمتع بالحرية، وهذا مطلب الصحافيين في شرق الكرة الأرضية وغربها، وهو مطلب مشروع لا أحد يرفضه، وخاصة من يريد أن يكون مجتمعه في مصاف المجتمعات الأكثر تقدما. بالمقابل ماذا لو نشرت صحيفة خبرا غير صحيح، أو قولت أحدا ما لم يقل، أو أجرت مع المرء مقابلة لم يجرها ولا يعرف الصحافي الذي ادعى إجراء المقابلة، أو مارست القذف تجاه شخصية عامة (وليس النقد المبني على معلومات صحيحة وموثقة) فأين هي هنا مسؤولية الحرية ؟! لست مع حبس الصحافيين حتى لو تضمنتها قوانين المطبوعات والصحافة في عالمنا العربي، ولكن كما هو الحال في أمريكا وأوروبا والعديد من دول العالم يوجد حق التقاضي والحصول على تعويض مادي مرتفع. وفي سابقة في العالم العربي، تم في المغرب تغريم إحدى الصحف بسبب اتهامها لأربعة قضاة تهمة غير صحيحة مبلغا يتجاوز 800 ألف دولار أمريكي، وهو ما يعادل دخل الصحيفة لمدة 22يوما. التعويض المادي المرتفع سيدفع الصحيفة للتأكد من أي خبر قبل القيام بنشره، ما يعيد للصحافة في وطننا العربي مصداقيتها. عندما تطالع الصحف العربية تجد العديد منها تقتات على نشر الأخبار غير الصحيحة والإشاعات والقذف، سعيا لزيادة المبيعات. لو طبق التعويض المادي المرتفع مع رفع سقف الحرية، لدينا سلطة رابعة حقيقية، تمارس بوعي حريتها المسؤولة.