سوق لا يهدأ، بينه وبين النظام مسافة لا يمكن تجاوزها، يحتوي على كل ما يخطر على بال الزائر أو الباحث عن أغراض مستعملة أو جديدة، كل شيء ممكن الحصول عليه وبأقل مبلغ من المال يمكن الحصول على شيء ذي قيمة وله نفعه، إنه الحراج حيث عالم الغرائب والعجائب، وليس بالسهولة أن يجد زائره شيئا لا يمكن بيعه أو عرضه، إذ تتنوع الأغراض من الأثاث المنزلي إلى الأجهزة الكهربائية إلى اللوازم المكتبية وكل ما يمكن استخدامه بشريا. قد يكون الحراج مستوعبا للأغراض القديمة والبالية، ولكنه مفيد كسوق لنوعين من الزبائن، أصحاب الدخول المحدودة والفقراء، إضافة إلى من يريدون التخلص من قديمهم وبه بقية فائدة لمن يرغب في الاستفادة منه، فهو سوق اقتصادي له مدخوله الكبير، ولذلك استقطب كثيرا من الأجانب الذين أصبحت لهم سيطرتهم الواضحة على حركة البيع والشراء فيه، ما جعل المواطنين يعانون الأمرين، دون خيار سوى كسب ودهم حتى يحظوا بنصيب في الشراء أو البيع، في وقت تختلف فيه طريقة الحصول على البضائع التي منها ما هو شرعي وغير شرعي، فالذمة كما يقول الزبون على البائع. “شمس” اقتحمت ذلك العالم القديم المتجدد، وتابعت مجريات عمليات البيع والشراء ومفارقاتها وقصصها، وسلوكيات العاملين فيه، لتقف عن قرب على هامش اقتصادي ينمو ويزدهر ويرفض النظام. سيطرة أجنبية طلال عريشي، بائع بالسوق يقول: “لي ما يقارب الخمس عشرة سنة في هذا السوق، بدأت ببسطة صغيرة والآن والحمد لله أصبح لدي ثلاثة محال، وتوجد بالحراج مكاسب هائلة لمن يتقن هذه المهنة، وتشمل بضائعه الغث والسمين، ولكلٍ زبائنه، فأحيانا تشاهد بضاعة معروضة قد تكون تالفة في نظر البعض ولكن تجد طالبين لها، فلا يوجد شيء في السوق لا يباع، وإذا جاءت البضاعة متهالكة نعمل لها بعض الإصلاحات البسيطة ونقوم بعرضها وتباع وهكذا”، ويشير إلى أن البائعين في السوق من الجنسيات جميعها، وكل جنسية تتعصب لبني جلدتها، ومن أخطر هذه الجنسيات البنجلادشية، فنحن نعاني منهم معاناة كبيرة خاصة في البيع والشراء، فعندما يأتي الدلال لعرض البضاعة علينا للشراء يقومون بالاتفاق فيما بينهم بلغتهم التي لا نتقنها ويتلاعبون بالسعر بالرفع والخفض، فإما يرسو عليهم العرض أو يوقعون بأحدنا فيه، بعدما يقومون برفع سعره مما يكبدنا خسارة لا طاقة لنا بها، ويستمرون على هذا الحال ليسيطروا على السوق بالكامل. ويضيف: “لا يخلو السوق من القصص الغريبة، فقد أتاني أحد الأشخاص يريد بيع أنبوبتي غاز، وبالفعل قمت بشرائهما وتسجيلهما في مكتب إدارة السوق وعرضتهما عندي في المحل، وبعد يوم واحد فقط تفاجأت بشخص قدم إلى محلي ويدعي أن الأنبوبتين له فبينت له أنني اشتريتهما، فذهب إلى قسم الشرطة وقدم بلاغا ليتم استدعائي من قبلهم وأرغموني على إرجاعهما إلى الشاكي، وبالفعل أرجعتهما إليه وطارت نقودي، لأكتشف أنني تعرضت لعملية نصب من شخص مجهول”. عشوائيات وسرقات علي القوزي صاحب أحد المحال، يكشف بعض خبايا السوق بقوله: “هناك عشوائيات كثيرة في طريقة البيع والشراء، ولا يوجد أي تنظيم يذكر في السوق، فعمليات النصب والسرقة تحدث يوميا دون أي رقيب أو حسيب، وأحيانا نتعرض لعملية نصب من قبل أشخاص يبيعون لنا أدوات مستعملة ونكتشف أخيرا أنها مسروقة، وفي بعض الأحيان نعرف هؤلاء اللصوص؛ حيث يأتون إلينا لعرض بضائعهم بأرخص الأسعار، أي الذي قيمته 1000 ريال يبيعونه لنا ب 100 ريال، ومن طرق اللصوص أيضا في البيع، أنهم بعد أن يقوموا بسرقة المنازل وما تحتويه من أغراض يقومون بتخزينها لفترة طويلة؛ لكيلا يفضح أمرهم، ثم بعد ذلك ينزلونها إلى السوق للبيع”. ويسرد القوزي وقائع لصوصية لا ينساها بقوله: “اتصل بنا أحد الأشخاص وقال إن لديه عفشا ويريد بيعه، وعرفت منه الأغراض التي يود بيعها وقدرتها مبدئيا ب1500 ريال، فقمت بإرسال ابني للتفاوض معه ورؤية العفش ومعرفة ما إذا كان يستحق هذا المبلغ أو أقل، وبالفعل ذهبوا إلى منزل الرجل ووجدوا أن العفش لا يستحق هذا المبلغ، وساوموه بمبلغ أقل فما كان منه إلا أن أغلق باب الشقة عليهم وأمرهم بدفع المبلغ المتفق عليه وإلا سيتعرضون لضرب مبرح، فما كان أمامهم إلا الدفع وأخذ العفش”. صداقات ذكية من جانبه يقول عبد الله “اللكيع” كما يلقبونه في السوق: “مهنة الدلالة تحتاج إلى قوة في الصوت وخفة ظل وسرعة بديهة، لبيع البضائع وبأسرع وقت ممكن، وهناك أوقات محددة للبيع وهي بعد صلاة العصر لتواجد أصحاب المحال والبسطات جميعهم، وألاحظ عند البيع تجاوزات كثيرة من قبل العمالة الأجنبية لتخليص البضاعة لهم أو تخريب البيعة إما برفع القيمة أو التشكيك في جودتها لانصراف الناس عنها، وبعد ذلك يرسلون أقارب لهم لشرائها وبأقل الأسعار، فهم مسيطرون على السوق ولا مجال لنا معهم إلا بعقد الصداقات لعلنا نحظى بمكاسب من خلالهم”. ويضيف: “أكثر الأشياء التي تباع هنا هي الأدوات الكهربائية، لأن حملها سهل وسرقتها أسهل”، يقولها ضاحكا، ويتابع: “من القصص التي مرت عليّ هنا أنني قمت بشراء بضاعة من أحد الأشخاص بمبلغ 600 ريال فأعطيته 1000 ريال لعدم وجود صرف معي، وقال لي إنه سيصرف المبلغ ويأتي، وإلى هذا اليوم لم أره”.