هدف يعتمد التشجيع الرياضي الكروي على تقديم بعض الانفعالات التي يأتي بعضها محمودا وبعضها عكس ذلك، فالحضور الجماهيري في الأماكن المخصصة أثناء المباريات وتقديم الأهازيج هو نوع منتشر في جميع الدول التي تمارس فيها رياضة كرة القدم، كما ظهرت في السنوات الأخيرة أساليب جديدة تتمثل في إنشاء مواقع إلكترونية تتناقش فيها الجماهير وتطرح هموم فرقها، كما تقدم الحلول التي قد تخدم الإدارات، وفي المقابل نجد أساليب مشحونة بغضب وخروج عن الروح الرياضية، ولكن ثمة طرقا أخرى تأتي من خارج أسوار الرياضة وتطرح نفسها كأداة تحفيز، حين يعلو صوتها وتتقدم بثبات نحو الانتماءات، والشعر هنا لم يغب كأداة وممارسة فاعلة في المجال الرياضي، وثمة الكثير من القصائد التي كتبها شعراؤها للمباركة أو التشجيع أو العتب، وكأننا سنصنع أغراضا أخرى داخل عرضٍ جديد في عالم الشعر. والمراقب للنتاج الشعري المنطلق من تشجيع فريق ما يجد أن المسألة لا تمثل حينها محاولة للتعامل مع شكل أدبي يمثل رؤية فكرية، إنما هي تمارس شكلا آخر من التشجيع. تسلل وقد صاحب ظهور نادي النصر السعودي أخيرا بشكل غير مرضٍ لجماهيره العديد من القصائد المؤثرة التي كتبت من قِبل محبي النادي، وبعضها حمل نبرة عالية من العتاب نظير المستويات التي لا ترقى لتاريخ النصر العريق. فهذا صالح العتيبي وهو مشجع نصراوي يقول: “لو الصبر.. في كلمة وحدة يُختصر.. صار النصر” وهو هنا يحاول أن يصور حالة الانتظار الطويل لبطولة. في حين طرح الشاعر “غيم” أحد أعضاء منتدى جسد الثقافة قصيدة عنونها ب “الثماني العجاف” يقول فيها: يا نصر رجعّنا لعصر البطولات حرماننا طوّل.. ونرجي بطولة يا نصر وينك من كؤوس المنصات ومن أول تاصل لها بالسهولة وكأننا بالشاعر هنا يبكي على الأطلال، محاولا أن يلتقط من الماضي بريقا ومجدا، متمنيا عودة النصر إلى مكانه الطبيعي. كما يأتي بعض النتاج الشعري متناغما ويحاكي الفريق وكأننا أمام صورة شعرية تمثل حالة من وعي صارخ بحب وهيام. يقول الواثق بالله وهو مشجع نصراوي: ما يشعل النار، غيرك، يا حديث الدفا لو كان في زرقة الدمع اختصار وصبر لو كان للحب: سيرة، من حنين ووفا ما نام في الضلع حب ٍ غير حب النصر واليوم أشوفك: جديد وما لرمشك غفا سهران، للي يحبك، والذهب ينتظر منصة وبالانتقال لنادي الهلال نجد أن جماهيره من الشعراء، أتت قصائدهم مبتهجة وحافلة بحب نظير النتائج المتصاعدة وحصد البطولات في السنوات الأخيرة، كما تعاملت معه كفريق كبير يشبع رغباتهم بشكل مستمر، وهذا أمر ليس بمستغرب، فالحالة الشعرية ينعكس عليها الكثير من المعطيات التي تمثل سبب الكتابة، يقول عبد العزيز السلطان: أزرق بحر.. أو هو سما أبيض يجي.. مثل الصباح هلال يبقى.. إنما قمر علا ما يوم طاح يضوي قلوب كلما يحصد نجاحٍ من نجاح أما بدعي الربعي، فكتب أحد الأبيات متباهيا بتشجيعه للهلال رافضا من يلومه في هذا الحب الكبير، حيث يقول: أنا هلالي رافع الراس دايم واللي يلوم القلب.. يا ناس غلطان ومن الواضح أن الشعر هنا حضر كأداة تدوين لمرحلة في تاريخ النادي، تعكس أجواء الانتصارات التي يحققها، فاللغة التي صاحبت جميع القصائد التي كتبت عن الهلال في السنوات الأخيرة غلب عليها طابع “النصر”، فهذا تركي الحمود يقول: ما نيب هاوي ولا سالي ما هي مجرد لعب كورة أحيا حياتي وانا هلالي عشقي أصل ما عرف صوره وهنا تعامل تركي مع ناديه المفضل من مبدأ يحاول أن يقدمه كونه ليس مجرد تشجيع رياضي بل هو حياة وعشق لا ينفصلان عن وجدانه. ولعل حضور الشعر كأداة تشجيع بات واضحا من خلال استبدال الكثير من فرق التشجيع في الملاعب الرياضية لدينا، الأهازيج بقصائد معروفة مع تغيير بعض الكلمات كي تلائم حالة التشجيع، سواء بإضافة اسم النادي أو اسم لاعب معين. وقد نصل إلى رؤية توضح قدرة الشعر الفائقة على التداخل مع جميع المجالات وتقديم نفسه في إطار يأتي من خارج نمط المرسل والمتلقي، حين يكون المرسل هو الشاعر، والمتلقي هو الجمهور، بعيدا عن كوننا أمام نماذج شعرية وطرح أدبي، فهذا النتاج أصبح في مثل هذه الظروف وسيلة للتشجيع. صافرة النهاية ومن غير الشعر “ككيان” يستطيع أن يمارس هذا الدخول في كل التفاصيل الحياتية، لا نظن أن غيره سيفعل أو يستطيع أن يفعل.