مشروع تصنيف وتحديد العنوان البريدي حسب الأماكن .. مشروع جبار اضطلعت به مؤسسة البريد السعودي، وهو مشروع طال انتظارنا له أكثر من 70 سنة. ويمثل صندوق البريد المحدد مكانه مسبقا جزءا من هوية المواطن في بعض الدول، وجزءا من البنية الأساسية لأي مجتمع منذ عشرات السنين. إن ما قامت به المؤسسة من تصنيف وتحديد للعنونة وبناء وتركيب نظام متكامل لصناديق البريد في معظم أنحاء المملكة، نقلة كبيرة جدا تفوق حتى إدراك بعض قطاعات المجتمع لها. أنا لا تربطني أي صلة بمؤسسة البريد، لكن هذا الإنجاز حقيقة هو بمثابة حجر الزاوية في تاريخ الدولة السعودية. لو تأملنا الآن أي موقع إلكتروني غربي يرغب الإنسان في أن يحصل على أي خدمة منه، أو من أي شركة معلنة فيه فإنها تشترط أن تعرّف عن نفسك ورمزك البريدي والصندوق البريدي. لكن لننظر إلى واقع الحال فيما رآه مجتمعنا نحو هذا المشروع المحوري. فبعض الصبية كسَّروا الصناديق البريدية، كثير من الجهات تتجاهل هذه العنونة. إنها فعلا أزمة ثقافة. أستغرب مثلا أن في أمريكا تكون صناديق البريد عند كل منزل ومفتوحة في أغلب الأحيان، ومع ذلك لا نجد التخريب الذي يحصل عندنا. وأعتقد أن الحل هو زرع ثقافة الهوية المكانية في المجتمع. مع هذا قد يكون الحل هو تثقيف الجيل الجديد، الذي يمثل 60 في المئة من المجتمع السعودي، من خلال الترتيب مع وزارة التربية والتعليم بأن تكون جميع المكاتبات والاستلامات بين الطالب والمدرسة من خلال صندوق بريد لكل طالب وطالبة. من ناحية أخرى، فإن الحل الأمثل في رأيي لبقية المجتمع لتفعيل عنونة هذه الصناديق يكون من خلال التعاون بين مؤسسة البريد ووزارة الداخلية بجميع قطاعاتها؛ لأنها تمس كل فرد من أفراد المجتمع. فلن أتردد مثلا في استلام جواز سفري عبر صندوق بريدي وغيرها من الخدمات. أعلم أن في مثل ذلك مخاطرة في البداية، لكن الحل هو في سَنّ لوائح تنظيمية لذلك؛ حتى لا يُساء استخدامها. ودعوني أذكّركم بالقضايا الإلكترونية عند بدء استخدام الإنترنت في المملكة، وكيف تم تحديد ضوابط لها مؤخرا، وأصبحنا نسمع عن قضايا في المحاكم عن اختراق البعض للبريد الإلكتروني لآخرين. أعتقد أن وضع ضوابط محددة للتعامل مع صناديق البريد بصفة عامة ستحد من الاستهتار وإساءة الاستخدام لهذه الصناديق. وبالنسبة إلى الجهات الحكومية الأخرى، أعتقد أنه من الأجدى لها أن تحصل على نظام جغرافي جاهز مدفوع التكاليف عبر تبني هذه العنونة، من أن تؤسس كل جهة نظام عنونة خاصا بها. ويظل الدور الأكبر على مؤسسة البريد السعودي في مواصلة الجهد؛ إذ إن الأعمال التي ذكرتها تمثل جزءا بسيطا، مقارنة بما تم إنجازه في هذا المشروع الجبار.