عندما تسيطر دهماء الإعلام على حدث، يتحول المشهد برمته إلى مولد تتسارع الأسماء باحثة عن حمّص تحصل عليه وفقا لأجندتها الخاصة. الفنان وسط هذا المشهد الدرامي يبحث عما يزيد شعبيته لدى معجبيه حتى لو قدم السباب والشتائم والتزييف قربانا لذلك، فلا يهم مادامت أن جماهيريته تزيد وبالتالي يعلو سعره ويحقق مكاسب مادية، فالمال يبرر السباب وأقذع النعوت. السياسي يقحم نفسه في الحدث سعيا لزيادة حضوره لدى ناخبيه، فالسياسي ثعلب ماكر، ما إن تلوح بالأفق فرصة إلا وانقض عليها، فالميكافيلية متغلغلة في مفاصل خطابه حتى لو أدى به ذلك للتخلي عن الثوابت، ولن يتوانى في دغدغة عواطف ناخبيه، ساعيا لتحويل بطولته الوهمية إلى أصوات في صناديق الاقتراع، معتبرا ذلك مناورة سياسية مباحة لم ينتهك بها محرما. المؤلم أن ينساق وراء ذلك بعض الكتاب بحثا عن بطولة شعبية، مستخدمين لغة أقرب إلى الردح منها إلى الكتابة، فالكاتب جزء من النخبة الفكرية في أي حيز جغرافي على ظهر المعمورة، فما الذي يجعل كاتبا يفترض به أن يسهم ضمن النخبة في قيادة المجتمع نحو المستقبل الأفضل، أن يصبح منقادا بشكل أعمى لرجل الشارع، تبدلا للأدوار وسط سقوط مروّع، ليصبح المشهد أكثر سوداوية. هل هو بحث الكاتب عن بطولة شعبية مؤقتة مزيفة، سرعان ما يكتشف وهمها؟ أم أن الأحداث تسقط الأقنعة ليظهر لنا الوجه الحقيقي ولم نكن سوى واهمين؟ هل وجع الرغيف يجعل سعي الكاتب لرضا ومباركة رجل الشارع مشروعا؟ ألم يعش أعظم الكتاب والفلاسفة والفقهاء منذ أزلية التاريخ على الكفاف، فسكنوا ذاكرة الشعوب للأبد؟! أحداث عديدة شاهدناها أخيرا في عالمنا العربي سيطرت دهماء الإعلام عليها، بدءًا بالمزارع منقاش الذي ادعى الإعلام أنه أسقط بسلاح بسيط طائرة أباتشي أمريكية أثناء الغزو الأمريكي للعراق 2003 ، فكتب أحد أبرز الدعاة قصيدة تمجد لبطولة منقاش الوهمية، مرورا بالمراسل منتظر الزيدي الذي ألقى بحذائه على الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش 2008، وليس انتهاءً بمباراة مصر والجزائر 2009 وما صاحبها من تصعيد خطير، حتى كادت تصبح مباراة هندوراس السلفادور 1969. فقدنا في تلك الأحداث كتابا عديدين كانوا يحظون باحترام القارئ، فتلاشى ذلك الاحترام عندما هرعوا للبحث عن بطولة شعبية.